ديباجة مواطن:زواج مكمم
د. خالد الخفاجي
يرتكز المفهوم العام للزواج على عدة مفاهيم محددة في الشرائع السماوية، لغة واصطلاحا وشرعا، وهي اقتران أو ارتباط شيئين أو بين ذكر وانثى بهدف الاستمرار في العيش بأمان واطمئنان، وهو أيضا عقد اتفاق بين الذكر والانثى أي الزوج والزوجة كطرفي اتفاق بموجب قانون يحدد الحقوق بهدف تكوين الاسرة، وشرعا هو استمتاع الطرفين بهدف تحقيق النكاح وحفظ النوع الإنساني وتكاثره في سبيل إعمار الأرض على اساس الحقوق والواجبات وهذا من أسمى معاني وأهداف الزواج.
وقد رغبَّ الله تعالى في الزواج وحثَّ عليه في كتابه الحكيم، ثم أكدت السنة النبوية هذا المعنى الإنساني والحميم، ليجعل الفرد سعيدا في الحياة وحتى في الآخرة، ويشار إلى ورود كلمة الزواج في القرآن الكريم بمشتقَّاتها المختلفة بحدود إحدى وثمانين مرة؛ على ذمة المعجم المفهرس، وأعطى الله تعالى قدسية خاصة للزواج ومن الآيات الذي قالها: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾، (الرعد 38)، ومن آياته ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الروم21). لا أريد أن أعلق على واجهة هذا المقال لافتة دينية بقدر ما أريد أتوصل الى حالة اجتماعية أصبحت ورما اجتماعيا في زمننا هذا يثقل بناء الأسرة والمجتمع وفق الأسس الصحيحة والخلاقة المنشودة، وهنا أتساءل لماذا أصبح الزواج هذه الرابطة المقدسة الحميمة بكل معانيها الإنسانية والوجدانية التي تتسلق الى قمم الجمال والعشق المنقوع بأريج الدموع واللهفة والشوق الذي يُنجب عصافير، لماذا اصبح عاهة تقتل الفرحة والامل في قلوب غالبية المتزوجين والمتزوجات بأسباب التعسف والقيود العشائرية البالية والفرض الجاهلي العشوائي، فكم من زوجة أستبيح دمها بفرض زواج عليها، فتك بحياتها وأحلامها، واستمرت مجبورة على تحمل هذا الويل سنينا طوال استجابة لعادات وتقاليد مجحفة بحق الحقوق الإنسانية، وتذبل ورود عمرها أمامها وهي صابرة تحلم بفارسها القادم من مخاض الحروب، وسندها الذي أصبح بعيدا من الحلم مستسلمة لنزف الأنين، أقول كم زوجة لأنها انثى كسيرة الجناحين في مجتمع بالٍ لا يرحم عفة واحلام النساء، في مقابل ذلك تكون نسبة التعسف الذي يقع على الذكور بفرض زواج تعسفي أقل بكثير من الذي يقع على بنات حواء، ولكن كثير ما نقرأ ونسمع عن رجال يكتشفون في خريف أعمارهم بأنهم ضيّعوا سنين شبابهم في زواج غير متكافئ المشاعر والأحاسيس والجمال والتطلع وحتى الفهم البسيط، وفي النتيجة يجلسون على ناصية خطأهم التاريخي وقد نسوا فيه عنفوان الشباب وهم يندبون حظهم يوم لا ينفع الندب.
وإذا حاولنا المقارنة بين الزواج الذي كان في العصور القديمة وقبل الميلاد لوجدانها أكثر جمالا وانسجاما ورضا رغم الجهل والتخلف التناسلي، من زواج اليوم في زمن التكنولوجيا والزحف الى المريخ وهذه الوسائل التواصلية التخريبية أكثر من الإصلاحية، مابالكم وقد كان أول عقد زواج رسمي صدر في بلاد ما بين النهرين عام 2350، قبل الميلاد على ذمة مختلف المصادر التي أكدت ذلك، ومن ثم تطور الزواج ولكن ماهي الدوافع التي بخلاف العاطفة التي تدفع الرجل والمرأة على الزواج في المجتمعات البدائية؟ والجواب هو إن الانسان البدائي لم يعتمد على شكل واحد للزواج بل عُرف للزواج أشكالا عديدة ولكل شكل دوافعه وتطلعاته ومعاييره، لكن كانت أقدم اشكال الزواج كان بدافع المنفعة وسد الاحتياجات، خاصة وكان نسبة الرجال تفوق نسبة النساء بنسبة كبيرة جدا في المجتمعات البدائية، لذلك أصبح خطف المرأة هو الوسيلة الأكثر انتشارًا للزواج في ذلك الوقت. بعد ذلك تطور الى حد ما حيث كان الزواج في الحضارة المصرية القديمة له أهمية كبيرة وأعطته اعتبارا كبيرا للعاطفة كأحد أهم دوافع الزواج، وفي حضارة بلاد الرافدين كان للزواج قدسيته واحترامه.
هذه نماذج بسيطة للمقارنة بين زواج الامس البدائي وزواج اليوم المتحضر وهذا ما يجعلنا ندرك تماما بأن الحب هو السر الواحد في نجاح أي زواج مبني على القيم والنتاج الاسري المهذب والصالح، عدا ذلك يكون زواج مكمَّما بأورام التخلف والتفكك المجتمعي، والفساد في الأداء الحكومي، مما جعل محاكمنا الشرعية اليوم تكتظ بحالات زواج لفتيان بأعمار لا تتجاوز الخامسة عشر كتب لها الفشل والطلاق في يوم عقد الزواج بعد شهر او شهرين، فضلا عن تفشي وسائل الخراب الاجتماعي التي اثرت سلبا على شبابنا بشكل مرعب، لذا أدعوا كل إنسان سواء كان أب أو أم أو مسؤول عن عائلة الانتباه الى هذه الظاهرة الاجتماعية التي تفتك بالشباب باعتبارهم أمل الأمم، وحذار من زواج مكمم في ظل حكومات بعيدة عن الشعب.