الإنهاك السياسي التركي يصل ذروته بعودة العلاقات مع مصر
القاهرة- لا تعبر زيارة مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي إلى القاهرة السبت عن مصالح اقتصادية مباشرة لأنقرة بقدر ما تعبر عن حالة الإنهاك السياسي الذي تعيشه تركيا، في وقت بدا فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستنزفا سياسيا بعد فشل إستراتيجية مواجهة الجميع شرقا وغربا.
ويقول مراقبون إن لا شيء يحرك عودة العلاقات مع مصر إلا أن تركيا أردوغان أنهكت سياسيا بعد إرهاقها اقتصاديا، وإن الرئيس التركي وصل به المطاف إلى البحث عن التهدئة مع مختلف الدول بقطع النظر عن مبررات هذه التهدئة، وما إذا كان تراجعه عن الشعارات السابقة مبررا أم أن الرجل اختار أن يغلق أقواس التصعيد حتى وإن بدا في صورة الرئيس الضعيف الذي يطلب صداقة من هاجمهم.
وإذا كانت المصالحة مع الإمارات والسعودية تحركها دوافع اقتصادية، فإن عودة العلاقات مع مصر لا يمكن النظر إليها إلا من باب إحساس أردوغان بأن بلاده لم تعد تتحمل لعبة الهروب إلى الأمام، وهو ما يفسر تصريحاته المتكررة عن عودة العلاقات مع سوريا وقبلها إسرائيل، وتوجيه المديح بشكل يتجاوز الأريحية الدبلوماسية المعتادة بين الدول.
وظلت زيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو إلى مصر معلقة بانتظار توفير الأجواء المناسبة لإتمامها والاقتراب خطوة كبيرة من الإعلان رسميا عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في وقت ظلت فيه القاهرة لفترة طويلة تؤكد أن مبررات هذا التقارب لم تتحقق بعد، خاصة في ظل مماطلة تركيا بشأن وضع عناصر الإخوان الموجودين لديها.
ويستقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره التركي السبت بمقر الوزارة في التحرير بالقاهرة في لقاء ثنائي تعقبه مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين.
وأفادت الخارجية التركية بأن جاويش أوغلو يبحث خلال لقائه مع شكري العلاقات المشتركة بكافة جوانبها وتبادل وجهات النظر حيال قضايا إقليمية ودولية.
ومن المتوقع أن تطوي الزيارة مرحلة ساد فيها التوتر بين القاهرة وأنقرة بسبب التباين حول عدد من الملفات، أبرزها دعم تركيا السخي والشامل لجماعة الإخوان، واختلاف الرؤى في الأزمة الليبية، وتباعد المسافات في شرق البحر المتوسط.
وأظهرت القيادة التركية مرونة لافتة مع مصر في القضايا الخلافية، وتجنّبت كلتاهما مؤخرا العودة إلى مرحلة سابقة سادت فيها مناوشات مضنية أسهمت بدور كبير في زيادة حدة التصعيد بينهما، لكن التوتر السياسي لم ينعكس كثيرا على العلاقات الاقتصادية التي حافظت على قدر من التماسك.
وجاء الانفتاح التركي على مصر ضمن تحول في السياسة الخارجية قاد إلى تحسن علاقات أنقرة مع السعودية والإمارات، وبعد أن تأكدت أنقرة من أن توظيف ورقة الإسلام السياسي ودعم جماعة الإخوان وتعمد مضايقة هذه الدول كلها عناصر لم تعد مجدية.
وتأتي زيارة جاويش أوغلو بعد زيارة قام بها شكري إلى تركيا نهاية الشهر الماضي عقب وقوع زلزال خلّف عشرات الآلاف من الضحايا، وعلى إثره قامت القاهرة بتقديم مساعدات إنسانية لم تخل من إشارات سياسية مهدت لزيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة.
ويقول مراقبون إن التطورات السريعة بين مصر وتركيا حصيلة اقتناع من جانبهما بأن تصفية الخلافات بالطرق الودية أجدى لهما، وأن استمرار الصدام سيكون مضرا لكلتيهما، خاصة أن الاستدارة التركية الإقليمية تبدو شاملة، والقاهرة كانت تنتظر الفرصة المناسبة للقيام باستدارتها السياسية بما يجفف بؤر الخلافات.
ويضيف المراقبون أن ثمة عقدة ستواجه مصر أكثر من تركيا، حيث رسّخت أنقرة سياستها في التحول سريعا وباتت معروفة بكثرة تنقلاتها وقدرتها على المواءمة بين علاقاتها الإقليمية والدولية. بينما قد تواجه القاهرة مشكلة مع دول مثل اليونان وقبرص ستنظر إلى تطبيع علاقاتها مع أنقرة بنوع من الريبة وعلى مصر إيجاد توازن جيد للتوفيق بين التناقضات الإقليمية.
الانفتاح التركي على مصر يأتي بعد أن تأكدت أنقرة من أن توظيف ورقة الإسلام السياسي ودعم جماعة الإخوان عناصر لم تعد مجدية
وقال الخبير المصري في الأمن الإقليمي أكرم حسام إن زيارة سامح شكري إلى تركيا الشهر الماضي واعتماد القاهرة الدبلوماسية الإنسانية لعبا دورا مهما في تسريع زيارة جاويش أوغلو إلى القاهرة.
وذكر أكرم حسام أن البلدين حسما ملف تنظيم الإخوان منذ الجولات الاستكشافية التي جرت بينهما في أبريل 2021، وإن كانت مصر اعتبرت أن خطوات أنقرة في هذا الشأن ليست كافية، لكن التركيز ينصبّ الآن على ملفي ليبيا وشرق المتوسط، إلى جانب الضغط المصري باتجاه احترام تركيا لسيادة سوريا والعراق.