الإمارات تكثف شراكاتها المنفردة مع تنامي التنافس الخليجي
أبوظبي - تجاوزت الإمارات حدود مجلس التعاوني الخليجي، الذي يعد اتحادا جمركيا وسوقا مشتركة وتكتلا تفاوضيا، من خلال إبرامها بمفردها حزمة شراكات للتجارة والاستثمار والتعاون ضمن “اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة” لمواكبة التنافس مع جارتها الأكبر.
وتعمل كل من أبوظبي والرياض على تسريع خططهما لاقتصاد ما بعد النفط وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن الإمارات لديها ميزة على جارتها لكونها مركزا اقتصاديا وسياحيا بالشرق الأوسط.
ويقول محللون إنه بناء على ما تملكه حاليا من بنية تحتية تجارية قوية، تريد الآن أن تصبح رائدة في سلاسل التوريد العالمية.
ويقود وزير الاقتصاد عبدالله بن طوق المري منذ فترة جولات في العديد من الدول وخاصة في آسيا مثل الهند وماليزيا وإندونيسيا لاستكشاف فرص جديدة للاستثمار بقطاعات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا والسياحة والفضاء والأمن الغذائي وأيضا تعزيز المبادلات.
وبالتزامن مع ذلك، يكثف مجلس التعاون من تحركاته بعقد جولات جديدة مع شركاء تجاريين رئيسيين، بينهم الصين وكوريا الجنوبية وبريطانيا، بهدف إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة. كما عينت الأمانة العامة للمجلس مفاوضا تجاريا رئيسيا في 2022.
وقال الخبير العُماني لشؤون الخليج بجامعة واسيدا اليابانية عبدالله باعبود لرويترز إن “التوجه التجاري الأحادي للإمارات يشير إلى أن بعض الدول الأعضاء غير راضية على طريقة إدارة المجلس لمفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة”.
وأوضح أن هناك منافسة متزايدة الآن بين السعودية والإمارات، خاصة في مجال الاقتصاد، وأن الإمارات تريد أن تصبح أكثر تحررا في شروط مفاوضاتها في اتفاقيات التجارة الحرة، وتريد أن تتقدم على الجميع.
ويمكن أن يحقق التفاوض الثنائي للإمارات أولوياتها الاقتصادية والسياسية بشكل أسرع، فمن خصميها سابقا، إسرائيل وتركيا، وحتى العملاقين الآسيويين الهند وإندونيسيا، وقّعت حتى الآن 4 اتفاقيات للشراكة الشاملة، وتقول إنها تجري مفاوضات عادة في ستة أشهر.
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر هذا الأسبوع إنه في داخل المجلس “نعتبر أنفسنا سوقا مشتركة، لكن الجمع بين الحجم والرؤية والجودة مهم، والرياض لديها كل ما سبق وأكثر”.
وجرى توقيع اتفاقيات تجارة حرة قليلة مع مجلس التعاون، ويمكن لمحادثات مثل التي بدأت مع الصين في 2004 أن تستغرق أعواما، حيث يحاول المجلس الموازنة بين تضارب الأولويات الداخلية والخلافات السياسية المحتدمة.
كما اعتُبرت بعض التحركات السعودية السابقة تحديا مباشرا للإمارات، مثل طلبها من الشركات الأجنبية عام 2021 إقامة مقار إقليمية لها في سوقها أو التعرض لخسارة عقود حكومية.
وفي 2021، غيرت الرياض بشكل منفرد لوائح الاستيراد من أعضاء المجلس مستبعدة السلع المصنعة بالمناطق الحرة أو التي تحتوي على مدخلات إسرائيلية من امتيازات التعريفة التفضيلية، رغم الاتحاد الجمركي.
وبالنسبة للإمارات التي تتمتع بعلاقات بالغة الأهمية مع الغرب، تمثل آسيا محورا أساسيا في إستراتيجيتها المتعلقة باتفاقيات الشراكة الشاملة. وجرى الإعلان عن محادثات مع ماليزيا وتايلاند هذا الشهر.
ووفق بيانات حكومية، بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات 599 مليار دولار في 2022، بزيادة 17 في المئة على أساس سنوي.
كما زادت عمليات إعادة التصدير بواقع 21 في المئة مقارنة بعام 2021، في حين ارتفعت الصادرات بأكثر من 50 في المئة مقارنة بعام 2019.
وتعد الهند أحد أكبر شركاء الإمارات التجاريين. وخفضت اتفاقية الشراكة الشاملة بينهما التعريفات الجمركية أو ألغتها على أكثر من 80 في المئة من المنتجات. ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار في غضون خمس سنوات.
وقال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي إن “التجارة غير النفطية في 11 شهرا، منذ تطبيق الاتفاقية مع الهند في مايو 2022، بلغت 45.5 مليار دولار، بزيادة 6.9 في المئة على أساس سنوي”.
وقال مصدران إن الإمارات والهند على وشك الاتفاق على أن تكون تسوية بعض السلع غير النفطية بالروبية الهندية.
وقال الخبير ناصر السعيدي إن “الشراكة الشاملة يمكن أن تكون نقطة انطلاق في الأسواق المالية، مما يسهل عمليات الإدراج المتقاطعة للشركات والتعاون في قطاعات جديدة مثل الطاقة النظيفة”. وأضاف أن “الاتفاقيات تشير إلى قرار بتعاون دبلوماسي أوسع نطاقا”.
ولدى الإمارات ما يزيد على 10 اتفاقيات للشراكة الشاملة قيد التنفيذ، لكن بعض شركائها الرئيسيين مثل الصين وبريطانيا وكوريا الجنوبية يفضلون إجراء محادثات حول اتفاقية للتجارة الحرة مع دول الخليج الست التي يبلغ ناتجها الإجمالي 1.6 تريليون دولار.
وقال فريدي نيفي، كبير زملاء الشرق الأوسط في معهد آسيا هاوس، إن “التفاوض على اتفاقية للتجارة الحرة على مستوى دول المجلس يمكن أن يسهل”.
وأوضح أن العمل بين “الولايات القضائية داخل دول المجلس ربما ييسر الوصول إلى الأهداف الجيوسياسية الأوسع بتشجيع المزيد من التكامل الاقتصادي داخل منطقة الشرق الأوسط”.
وتوطدت العلاقات بين السعودية والصين في السنوات الأخيرة، مما أعطى دفعة إضافية للاستثمارات الثنائية وللمفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون.
ويرى محللون أنه سيتم التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة بين دول المجلس البالغ عدد سكانها 56 مليون نسمة والصين في عام 2024.
وكانت سيول من بين أوائل الدول التي أطلقت المحادثات حول اتفاقية للشراكة الشاملة مع الإمارات، لكنها بعد ثلاثة أشهر استأنفت محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون.
وقال الزيودي إن “على كل دولة اختيار مسار التفاوض الذي تشعر فيه بالارتياح”.
وسبق أن حدث ذلك في المنطقة، إذ وقعت البحرين اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة عام 2006. كما وقعت سلطنة عمان اتفاقية مماثلة في 2009.
لكن السفارة البريطانية في دبي قالت إن بريطانيا ملتزمة باتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون، وترى أنها تمثل “قيمة اقتصادية وإستراتيجية أكبر لكلا الجانبين”.
وقال الزيودي إن اتفاقيات الشراكة الشاملة بينما يجب أن تكون متسقة مع الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون، فإنه يمكن لأي دولة إبرام اتفاقية مع دولة أخرى إذا كانت شروط المجلس لا تمثل أفضلية لها.