وزير التربية المصري يثير الجدل: ممنوع على الطلاب وأوليائهم الانتقاد
القاهرة - أثار قرار وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي بحظر الإساءة إلى المدارس على مواقع التواصل الاجتماعي وتهديد الطلاب المخالفين وأسرهم بعقوبات صارمة غضبا واسعا في الشارع المصري، حيث يندرج القرار ضمن التضييق العام على الحريات والتعتيم على السلبيات بعدم إظهارها في الفضاء الإلكتروني.
وصادق الوزير على لائحة انضباط جديدة لإلزام الطلاب وأولياء أمورهم بالمزيد من ضبط النفس واحترام المؤسسات التعليمية، وفرض عقوبات على ترويج الشائعات وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تصل إلى فصل الطالب من المدرسة، ما اعتبره البعض إجراء ترهيبيا يستهدف عدم التطرق إلى سلبيات التعليم في مصر.
ويصعب فصل العقوبات عن اقتراب العام الدراسي الجديد الذي سينطلق السبت المقبل، وغالبا ما تكون بداياته فاضحة للواقع التعليمي من خلال تكدس الطلاب في الأقسام بسبب قلة أعداد الفصول وعدم وجود مقاعد للبعض ما يضطرهم إلى افتراش الأرض أحيانا.
وتبث منصات التواصل مع بداية كل عام دراسي مشاهد محرجة للحكومة المصرية أمام الرأي العام، وتنسف بعض المكتسبات التي يقال إنها تحققت، حيث يقوم طلاب ومعلمون وأولياء أمور في مدارس حكومية بتصوير كل شيء ونشره على الملأ لكشف وهم تطوير التعليم، ويعززون نقدهم بمقاطع فيديو موثقة تدين مؤسسات حكومية.
وتضمنت المحظورات التي تقود إلى فصل الطلاب بسبب النشر السلبي على مواقع التواصل قيام الطالب أو ولي أمره بنشر أخبار “كاذبة” أو “مضللة” عن المدرسة أو التقليل من شأن العاملين بها، أو التهجم على أسلوب إدارة المدرسة بشكل مسيء، على كافة المواقع الإلكترونية، ما يعني ضمنيا عدم التحدث سلبا على أي وسيلة رقمية.
ويعكس القرار عجز الحكومة عن إقناع الشارع بخطة إصلاح المنظومة التعليمية في ظل ارتفاع وتيرة الغضب منها، ولم يكن أمام صانع القرار التعليمي سوى إسكات هذه الشريحة كي تغض الطرف عن التخبط في السياسات التعليمية وعدم تكرار الصدام بينها وبين وزارة التعليم.
ويسير التحرك الأخير عكس اتجاه إستراتيجية وزارة التعليم التي أطلقتها قبل أيام وقررت فيها إدخال الطلاب وأولياء الأمور كطرف في الحوار المرتبط بإصلاح المنظومة التعليمية، بعد اعترافها بأن مقاومة الأهالي للتطوير أكبر تحدّ يواجه الحكومة، ولم يعد هناك مجال لاستبعاد وجهات نظرهم ومطالبهم، لأن استمرار المقاومة يعطل التطوير.
وتكمن أزمة الحكومة المصرية في أنها مقتنعة بوجود مقاومة من الشارع لإصلاح المنظومة ضمن خطة تستهدف تخريب العقول تقف وراءها عناصر وتيارات معادية دون إدراك بأن التعليم بالنسبة إلى المصريين يحتل أولوية تتخطى اهتمامهم برغيف الخبز (العيش)، ولا يمكن أن يجد الأهالي سلبيات تضر بأولادهم ويتجاهلونها.
واعترف مسؤولون في الحكومة بأن نقص المعلمين في المدارس وصل إلى 325 ألف معلم، وهو رقم ضخم إذا قورن بالطلاب الذين يصل عددهم إلى 26 مليونا، أي حوالي 25 في المئة من تعداد السكان، ما يعني أن التقصير في خدمتهم له انعكاسات سياسية سلبية على الدولة، والأمر أكبر من صمت الغاضبين.
القرار يعكس عجز الحكومة عن إقناع الشارع بخطة إصلاح المنظومة التعليمية في ظل ارتفاع وتيرة الغضب منها
ولا يخلو قرار فصل الطلاب “المسيئين” أو أسرهم للمدارس والمنظومة التعليمية من محاولة ترهيب تشكيلات جماعية للأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي معروفة بـ”الماميز”، وتحتضن الآلاف من أولياء الأمور من السيدات ويركزن طوال الوقت على رصد السلبيات في مدارس أبنائهن لمطالبة وزارة التعليم بعلاجها فورا.
ونجحت أمهات الطلاب من خلال الضغط عبر الشبكات الاجتماعية في تغيير سياسات تعليمية خاطئة وأجبرن الحكومة أحيانا على إلغاء قرارات كادت تصيب أبناءهن بصدمات نفسية، لأنها فجائية أو لأنها غير منطقية، ما جعلهن بمرور الوقت جزءا مهما في وضع سياسات المنظومة التعليمية، وتغيير السلبي منها.
ويرى مراقبون أن ترهيب الطلاب وأسرهم لغض الطرف عن سلبيات السياسة التعليمية نتاج فكر منغلق يتعامل مع كل نقد باعتباره ضد الأمن والاستقرار، ويستهدف التشكيك في إجراءات الدولة، في حين أن الصدام مع الأهالي في شأن يخص مصير أولادهم هو مجازفة محفوفة بالمخاطر.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الدخول في حوار مفتوح بشكل مستمر مع الشارع الممثل في الطلاب وأولياء الأمور، يضمن للحكومة عدم وجود مقاومة لن تستطيع الوقوف في وجهها، لأنها ستمضي في التطوير بحكمة وتخاطب الرأي العام بواقعية كي لا تظل متهمة بالتقصير في إصلاح قطاع حيوي أو تتحداهم بإقرار وجهة نظرها فقط.
ترهيب الطلاب وأسرهم لغض الطرف عن سلبيات السياسة التعليمية نتاج فكر منغلق يتعامل مع كل نقد باعتباره ضد الأمن والاستقرار
ويتعامل مصريون مع مواقع التواصل الاجتماعي على أنها كيان معارض يستطيع أن يفتح الأعين على الأزمات التي تمس حياتهم، لذلك يتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي في حل مشكلات أثارها رواد على الشبكات الاجتماعية.
وقال كمال مغيث عضو المركز القومي للبحوث التربوية بالقاهرة ومقرر لجنة التعليم في الحوار الوطني “من الصعب ترهيب فئات طلابية من الشباب بعدم نقد السياسة التعليمية، وهم يتمردون على الحظر والمنع أصلا، ومن المفترض أن يتم احتواؤهم بدلا من الدخول معهم في صدام لمجرد أنهم يطالبون بإصلاح الوضع الراهن”.
وأضاف مغيث أن إقناع الشارع بخطط تعليمية طموحة وواقع إيجابي لا يتم بإنكار السلبيات، فامتصاص غضب الناقمين على السياسة التعليمية يتطلب تحركا يقوم على دراسة المشكلة وأسبابها وعلاجها، وطالما هناك مشروعات للتطوير، فمن الطبيعي أن توجد سلبيات تستدعي التغيير للأفضل.
وأشار إلى أنه “من الخطأ تربية الشباب على أن كل معارض يستحق العقاب إذا كانت هناك خطة حقيقية لبناء الإنسان المصري بشكل معاصر، والمطلوب توسيع المدارك الحقوقية للأجيال الصاعدة كضمانة للاستقرار المبني على الوعي، وإذا كان التعليم الجيد حقا أصيلا من حقوق الإنسان، فمن الطبيعي أن يطالب به أو ينتقد عكسه”.
ويتناقض الترهيب المرتبط بحظر التطرق إلى سلبيات المدارس والمنظومة التعليمية مع توجه وزارة التعليم لتضمين المكتبات المدرسية وبعض المناهج الدراسية ثقافة حقوق الإنسان في مصر، والرغبة في تسليط الضوء على مكاسب تحققت في هذا الملف.