أفكار وأزرار
في عالم الذكاء الاصطناعي كل ما تحتاجه لمشروعك هو أفكار خلاقة وجهاز كمبيوتر.
عالم الذكاء الاصطناعي يُوفر فرص العمل دون الحاجة إلى التحول
نشر متسكعون يقضون وقتهم على صفحات الفيسبوك خبرا مفاده أن تونسييْن باعا شركتهما الفتية بسعر يعجز الفقراء على عدّه.
الشركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي وعمرها تسع سنوات، كل عتادها جهازا كمبيوتر ورأس مالها لا يتجاوز راتب موظفين اثنين.
قصص النجاح في مختلف الميادين كثيرة نقرأها يوميا على صفحاتنا في الموقع الذي أسسه مارك زوكربيرغ من غرفته الجامعية في هارفارد منذ عشرين سنة.
المغزى من قصة خبر التونسيين هو أن الاستثمار اليوم لم يعد في الأراضي الشاسعة وزراعتها أو تشجيرها في زمن الجفاف، ولا في مصنع يمتلئ بالسواعد المفتولة والفنيين في حضرة البضائع الصينية المنتشرة في كل شوارع المدن التونسية.
في عالم الذكاء الاصطناعي كل ما تحتاجه لمشروعك هو أفكار خلاقة، وجهاز كمبيوتر يتكون من صندوق قادر على ترجمة كل الأفكار وبرمجتها، ولوحة مفاتيح أو أزرار مرسومة عليها حروف ورموز، وفأرة تقف في مفترق يفتح على سلم لا يحتمل الرقص عليه من جهة، ومن الجهة الأخرى يفتح على فراغ يفني العمر في متابعة الصور المفلترة للـ”أنستغراموزز” اللاتي يتكلمن من أجل ألا يقلن شيئا، أو في توزيع “لايكات” لا تُصرف في بنك ولا تزيد علما ولا معرفة.
تعلّم لغات برمجة الذكاء الاصطناعي أسهل من تعلم التدخين والبُصاق في الشارع والنميمة والشتيمة، بل هي أسهل من تعلم قرصنة حسابات الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي للاطلاع على أسرارهم وربما ابتزازهم.
وعالم الذكاء الاصطناعي يُمكّن من التعلم ويُوفر فرص العمل دون الحاجة إلى التحول إلى أي مكان، فمن الممكن أن تجد شابا يعيش في الجنوب منهمكا في التعامل مع كمبيوتر محمول تحت نخلة، أو فتاة تتابع قطيع أغنام والدها في قرية نائية وفي يدها “لاب توب” تُعدّ من خلاله تطبيقا أو برنامجا لشركة عملاقة في التكنولوجيا بعيدة جغرافيًّا لكنها قريبة جدا بعد الثورة الرقمية.
ذلك الشاب أو تلك الفتاة يقفان اليوم هناك، ليس حنينا إلى فقرهما وما عانياه من برد وحرمان، ولكنهما يقفان اعترافا بجميل من راهن واختار أن يستمر في تعليمهما.
هما آمنا بالنجاح فحققاه، ويعملان على استمرار نتائج العمل التي لا تأتي صدفة أو مجانا، لذلك لا يضيع أيّ منهما وقته قابعا في الحانوت الأزرق يستجدي شفاء مريض عزيز عليه ولا يطلب الترحم على فقيد انتقل إلى جوار ربه.
وتبدو فكرة التعلم وفرص العمل في عالم الذكاء الاصطناعي والحصول على مكتب في العالم الافتراضي من وحي خيال يسبح في تيار لم يصطدم بالواقع، لكن المحاولة أفضل من علامة “لا شيء” على ورقة الحياة.
لطيف جابالله
صحافي تونسي