(سنوات الحبر) حكايات ودروس
زيد الحلّي
الكتاب وصلني الخميس المنصرم ، موشحا بإهداء جميل ، فكان زادا رائقا طوال يوم الجمعة ، قضيت الصباح والمساء في قراءة جزلى ، ممتعة ، فيها ما يملي الوجدان ، ويسعد الذات ، وينعش الذاكرة ، كتاب اجزم ان من يطالعه ، سيشعر انه قرأ مئات الكتب القيمة ، وتعرف على آراء عشرات المفكرين ، وساح في عقول مبدعين في شتى مناحي الحياة ..
إنه كتاب ، زميلنا واخينا الكاتب العزيز رباح آل جعفر ( سنوات الحبر ) الذي قامت بنشره ” دار الحكمة ” في لندن ، وقدم له الاساتذة ” حسن العلوي ، حسب الله يحيى ، د. طه جزاع ” وحمل غلافه الاخيرة كلمة شفيفة للمبدع الراحل ” محمد سعيد الصكار ، وصممه بذوق راق د. فلاح حسن الخطاط وسيتم توزيعه هذا الاسبوع .. كتاب يمثل “ماكينةً بشرية” لجمال الحرف ، وانسيابية الاسلوب ، وإبداع الحكمة ، ..فالإبداع لا يصِل إليه المرء بالاستعجال أو الكسل والتراخي ، بل يحصل عليه بالسعي، والهمة العالية، والثِّقة بالنّفس ، والاسلوب المتجدد، والرؤى الواسعة ، وهكذا فعل الزميل رباح منذ يفاعته ، ودخوله عالم الكلمة ، ويسعدني القول ، انني كنتُ شاهدا على بداياته بمحبة واعجاب وشوق ..
ضم الكتاب المئات ، من اعمدته الصحفية المعروفة بالذائقة الفكرية ، وشخصيا ، اقول ان رباحاً ابتدع له أسلوباً جرى عليه في الكتابة عرف به، وامتاز على الكثيرين ، وقد وجدتُ فيه نظرة عميقة وفريدة في التناول ، واستحضار لمواقف صحفية وادبية وتاريخية ، مفعمة بالأسماء والتواريخ ، عاشها الكاتب ، بصدقه المعروف ، ونبله المعهود ، وإذا كانت الاعمدة التي قرأتها في الكتاب ، تمثل تاريخا اجتماعيا معروفا عند معاصريه ، ومرآة للحياة بصورتها الشمولية ، وشخوصها المعروفة ، فإن الفترة التي جال فيها تمثل ايضا نفوس أدباءها ومفكريها وفنانيها وصحفييها تمثيلا صحيحا، فقد اجتاحت العواصف في حينها نفوسهم، وزادت عندهم رؤى الاختلاف ، وانتعش التنافس بين لغتي (الانا ونحن ) .. واشهد ، ان الكتاب بمضمونه الرائع ، هو خير مثال للحياة في العقود الاربعة المنصرمة ، وصورة بارزة للأجواء الفكرية والأدبية والفنية التي عاش المؤلف في أعماقها شاهدا وكاتبا امتلك الفصيح المتدفقِ ، والبلاغةً والحكمةً والشجاعةً والمروءةً العربية الاصيلة والكرم المعهود .
لقد ادرك ابا بلال ، واعني الكاتب رباح آل جعفر، منذ بداية تألقه الصحفي ، أن الكتابة عمل فكري لا يقتصر موضوعها على تجارب حاضرة تهدم أخرى قديمة، أو برهان جديد ينقض آخر قديما. بل الأمر فيها قائم على عطاء متجدد في كل الاتجاهات ، وقد نجح في ذلك ، من خلال لونه الخاص الذي يمزج الحداثة بشواهد التاريخ ، ورؤيته المتميزة، ومذاقه المختلف المحبب عند القارئ .
الكتاب الباذخ في اناقة التصميم والطباعة ، الذي انتهيت من قراءته ، ولا زالت عيناي ترنو لإعادة تصفحه ، اجده مهما لكل من يريد معرفة مقولة ” السهل الممتنع ” هذه المقولة السحرية التي جسدها كتاب ( سنوات الحبر ) داعيا ، في ذات الوقت طلاب كليات الاعلام الى اقتنائه ، ففيه ما ينبغي معرفته في فن كتابة العمود الصحفي ، كما ادعو زملائي الى قراءته حيث سيلمسون فيه ، ان النّجاح نعمة لا يشعر بها إلاَّ أهلها من المتفوقين ، ويشعرهم بالسعادة؛ لأنه يخرجهم من روتين الحياة المهنية إلى الجدِ والنشاط، وينقلهم الى الأفكار الإيجابية في التناول الصحفي ..
مبارك اصدارك اخي وزميل عمري رباح آل جعفر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.