أزمة الدولار ما لها وما عليها

بقلم محمد احمد علي شباط/فبراير 18, 2023 133

أزمة الدولار ما لها وما عليها

محمد احمد علي

لا يخفى على احد ان الحكومة السابقة برئاسة الكاظمي تعمدت رفع سعر صرف الدولار في 19 كانون الاول 2020 لأهداف ليست في نفس يعقوب , فمن الواضح للجميع ان الحكومة في حينها ارادت تحقيق وارد مالي اكبر بنسبة 20 % تقريباً مستهدفة في ذلك ردم الهوة الحاصلة بين حجم الواردات الحكومية وحجم المصاريف التي تمثل رواتب الموظفين النسبة الاكبر منها , حيث تضخمت ايرادات الدولة وفقآ لهذه المعادلة كون الدولة تعتمد على الواردات النفطية بشكل شبه كامل بحيث استطاعت الدولة توفير رواتب موظفي القطاع العام كاملة والخروج من ازمت العجز في الموازنة , وكذلك تمكنت الحكومة من خلال عملية رفع سعر الصرف من خلق تقارب بين سعر المنتجات المستوردة والمنتجات المصنعة داخل العراق في خطوة تعتبر تحفيزية لدعم الصناعة العراقية رغم كونها خطوة خجولة الى حداً ما , وتمكنت ايضاً من تحديد اسعار الصرف في الاسواق و وضع رقابة مشددة للحد من عملية التهريب الممنهجة للعملة الصعبة التي كانت تتبع و بشكل رسمي عن طريق مزاد العملة في البنك المركزي العراقي والتحويلات المالية المرافقة لهذا المزاد .

معارضة و استياء

وقد واجهت قرارات حكومة الكاظمي المتعلقة بسعر صرف الدولار معارضة شديدة من قبل الاطراف السياسية المتناحرة على السلطة والتي اعتبرت هذه القرارات فرصة ثمينة للنيل من حكومة الكاظمي مستفيدة من استياء الشارع العراقي الذي لا يعلم اساسآ اسباب رفع سعر صرف الدولار والاهداف التي كانت ترجوها حكومة الكاظمي مثل سد العجز المالي في الموازنة ومنع تهريب العملة ومحاولة انعاش الصناعة العراقية التي تمر بحالة موت سريري , ومن العجيب ان الحكومة الجديدة برئاسة السوداني والتي تكونت من نفس الاطراف السياسية التي كانت تطالب بخفض سعر الصرف هي من تسببت بأرتفاع كارثي في سعر الصرف وهناك اطراف سياسية مهمة تراجعت عن وعودها في اعادة السعر الى ما كان عليه بل بدأت تدافع عن ارتفاع سعر صرف الدولار.

انهيار مفاجئ

اجمع المراقبين للشأن الاقتصادي العراقي وخبراء الاقتصاد على ان السبب الرئيس لأنهيار العملة العراقية وارتفاع سعر صرف الدولار كان بسبب السياسات النقدية الخاطئة والمتخبطة حيث ان الوضع السياسي العراقي فرض واقع تقاسم المناصب الادارية من اعلاها الى ادناها وبهذا تم تكليف اشخاص لا يملكون الاختصاص ولا الخبرة المناسبة في ادارة مفاصل الدولة ومنها المناصب التي لها علاقة بالاقتصاد الوطني , الامر الذي تسبب في سيطرة الاحزاب السياسية وجهات مسلحة على اسواق المال وتهريب العملة الصعبة للخارج فضلاً عن تحكم شركات مالية بعملية تحويل الاموال للخارج وتحديد سعر صرف الدولار , ان الحكومة العراقية طالما ماطلت في تبديد مخاوف دول العالم من عمليات التحويل المالي المشبوهة والجهات المستفيدة منها خاصة مع وجود عقوبات مالية على بعض الدول لا سيما الجارة ايران التي تعد السبب الرئيسي لمشاكل العراق الاقتصادية , هذا الوضع المريب دفع البنك المركزي الامريكي الى اتخاذ إجراءات رقابية من شأنها الكشف عن الجهات المستفيدة من التعاملات المالية العراقية كون الاموال العراقية بالمجمل مودعة في هذا البنك ويتم صرف المبالغ المالية عن طريق طلبات يقدها الجانب العراقي وبوساطة مصارف دولية اخرى , فقد سببت هذه الرقابة عزوف عن استلام الحوالات بشكل كبير في رفض واضح للجهات المستفيد للكشف عن هوتها وما تؤول اليه هذه الاموال المصروفة مما خلق توجس كبير لدى دول العالم بأن هذه الحوالات كانت تستغل للالتفاف على عقوبات دولية تم فرضها سابقاً , ادت عملية العزوف عن استلام الحوالات الى حدوث فرق كبير بين العرض والطلب على الدولار الامر الذي ادى الى انهيار سريع للعملة العراقية مقابل الدولار.

عملية تهريب

من المعلوم ان اي شخص مهما كانت صفته بإمكانه اجراء عملية تحويل الدولار الذي يملكه الى اي دولة يرغب بدون ان يقيده قانون او تمنعه تعليمات , بمجرد زيارة مكتب للصيرفة والتحويل المالي يمكن ان نحول المبلغ الذي نرغب بتحويله وبسهولة مطلقة , اذاً ما الداعي لعملية تهريب العملة اذا كان التحويل متاح للجميع ؟ ان الهدف الحقيقي من التهريب هو اخفاء الجهات التي تعمل على اخراج العملة الصعبة من العراق وهذا ما يقودنا الى تساؤلات اخرى فلماذا لا ترغب هذه الجهات بكشف هويتها ؟ وما هي مصادر هذه الاموال التي يتم تهريبها ؟ ليتضح لنا ان الاموال المهربة امول تم استحصالها بطرق غير قانونية وعملية تحويلها وفقآ للسياقات الاعتيادية قد تعرضهم للمسائلة عن مصدر الاموال وهذا ما تخشاه الجهات المشبوهة التي تقف خلف عملية تهريب الدولار .

تدابير حكومية

ان ما نشهده هذه الايام من الإجراءات التي تتخذها الحكومة والتي تعتبر إجراءات ضعيفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى حيث اقدمت الحكومة على اعتقال ومطاردة بعض العاملين في شركات الصيرفة والتحويل المالي وقدمت بعض التسهيلات المصرفية التي لم يستطيع المواطن الاستفادة منها بسبب التعقيدات التي رافقت هذه التسهيلات وكذلك محاولة الحكومة من التخفيف عن كاهل المواطن الذي اثقله الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية الاساسية من خلال استحداث منافذ بيع للمواد الغذائية المدعومة و لكن دون جدى فالأسعار مستمرة بالصعود والشارع العراقي بدأ يغلي مقترباً من حالة الانفجار مقابل عجز حكومي تام , وقد تجاهلت حكومة السوداني الكثير من النصائح المالية التي قدمها خبراء في مجال الاقتصاد قد تكون كفيلة بخفض سعر صرف الدولار منها اقتراح صرف رواتب الموظفين بالدولار وبسعر البنك المركزي العراقي ولو لشهر واحد , الا ان حكومة السوداني تمكنت مؤخراً من عقد اجتماع مع البنك الفدرالي الامريكي في اسطنبول حصل خلاله الجانبان على تطمينات باتخاذ إجراءات متبادلة كفيلة بإعادة سعر الصرف الى ما كان عليه قبل الازمة فضلاً عن اصدار قرار تخفيض سعر البيع الرسمي في البنك المركزي العراقي الى 1300 دينار مقابل الدولار, الامر الذي رفع مستوى الآمال والتطلعات ومن المتوقع ان تكون هذه الخطوة كفيلة بالقضاء على ازمة الدولار .

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه