كزال براهيم خدر في إطار تجربة الحداثة الشعر - تحليل القصيدة

بقلم عزالدين شافي / المغرب آذار/مارس 17, 2023 100

 

عزالدين شافي / المغرب

المحور الاول

قراءة في دلالة المعجم الشعري وتوظيف عناصر الطبيعة

اختارت الشاعرة الكردية 'كه زال ابراهيم خدر" المقيمة في كردستان العراق كتابة الشعر بلغتها الأم الكردية والعربية في إطار تجربة الحداثة الشعرية وتكسير الرتابة العروضية التقليدية متحررة من قيود الأساليب البلاغية القديمة والتعبير العميق بلغة الوجدان الباطني عن تيمة الحب من خلال نظام المقاطع والشذرات الشعرية والاعتماد على الدفقات الشعورية المنبثقة من المشاعر والأحاسيس الباطنية
إن تكسير البنية الإيقاعية لهذه القصيدة الشعريةيتجلى لنا في خاصية البناء الداخلي والجملة الشعرية والنظمية والدلالية و المحافظة على التجانس المعجمي والنغمي الموسيقي والانتقال والتدرج الفني من مقطع إلى آخر في نسق شعري منسجم ومتناسق ومتكامل عروضيا ونظميا ودلاليا وإيقاعيا وصوتيا
تشتمل هذه القصيدة على( ١٣ مقطعا) موزعا بانتظام شعري على شكل منظومات مقطعية ودلالية بعناوين مختلفة في اللفظ ومتاشبهة في الدلالة العميقة وهذه المقاطع هي (الهيكل /الريحان /القرنفل/الوردة /اللوحة/الشفة /الصباح / العاشق/الأم /رائحة /الغزال /الرحالة /السبحة /.) ،ويختلف توزيع الأسطر الشعرية من حيث المعجم والجملة والقافية والروي والرموز والايحاء والانزياح الدلالي للغة الشعرية التي تم توظيفها في هذه المقاطع .
وبتأملنا في البنية النظمية نلاحظ أنها تتمحور جميعها حول بؤرة نصية ودلالية واحدة هي "تيمة العشق الصوفي" الذي يتجاوز كل ماهو مادي ورديء الحب الذي يتعالى ويسمو على نوازع الشر والكراهية والبشاعة التي شوهت المشاعر الإنسانية
تبرز تيمة الحب الصوفي في معجم النص وبلاغة التعبير وعمق الصورة الفنية البعيدة عن التكلف والتصنع وفي اختيارها للإيقاع الموسيقي المتناسب مع الدفقة الشعورية وهو ما سنكشف عنه في هذا المحور الأول من هذه الورقة النقدية المختصرة
بتأملنا في المقطع الأول نلاحظ وجود متوالية لفظية من كلمات دالة على عناصر الطبيعة الحية ( الماء والثلج والشمس ) فالماء يرمز إلى الخصوبة والنماء والحياة والثلج إلى الذوبان والشمس إلى الحرارة ، وتجسد هذه الرموز الشعرية داخل المقطع الأول العلاقة بين العاشقين المتفاعلين هيكل من ثلج /عيون من شمس الحبيب شمس والحبيبة ثلج وهي صورة حسية تمثيلية وتشخيصية دالة على حرارة هذا الحب الساكن في روح الحبيبة المتيمة بلواعج غرام سرمدي يتجاوز حدود الزمان والمكان
في المقطع الثاني تنتقل الشاعرة بسلاسة من الماء والثلج والشمس إلى( الريحانة) التي تحيل على الرائحة الزكية التي تبعث الأمل في النفس الجامدة ،وتصبح الريحانة بعطرها الزكي مؤشرا دالا على الأمل والفرح ونشوة الحب الصوفي الطاهر الذي لا تلوثه ملوثات الحياة المنحطة ....
وفي المقطع الثالث يحضر (القرنفل) كرمز فني حامل لدلالة البقاء والخلود العاطفي في ذاكرة العاشقة المتيمة بحبيبها الذي يتجلى في مجموعة من الصور والرموز الكثيفة ...
وردة /شفة /فراشة /رائحة /شمس /صباح ....
نلاحظ أن الشاعرة لم تتقيد بمعجم واحد وصورة واحدة بل اعتمدت على التنويع المعجمي والدلالي كما لا تحصر هذا المعجم في دلالة واحدة من أجل منح القصيدة مجالا حرا للتعبير دون قيود لغوية صارمة ....ولقد منحها معجم الطبيعة مجالا واسعا للتعبير الحر عن تجربة هذا الحب المثالي الذي يجسد كل القيم المثلى التي تمنح الحياة ديمومتها واستمراريتها رغم هيمنة قوى الظلام والشر التي سيطرت على عواطف البشرية ....

المحور الثاني

الرمز والصورة الفنية
البعد الرمزي وبناء الجملة الشعرية وتدفق المعاني

وردت الإشارة سابقا إلى كون الشاعرة الكردية"كه زال خدر إبراهيم " التجأت إلى الاعتماد على معجم الطبيعة و توظيف مجموعة من العناصر الطبيعية ( الماء والشمس والقرنفل والوردة والغزال) وأدمجته بمعجم الحب في تجانس أسلوبي وبلاغي وبناء دلالي يعتمد على جمل بسيطة وأسطر متفاوتة في الطول والقصر ...
إن جمالية هذه القصيدة لا تنحصر في جمالية التوظيف المعجمي فقط بل تتجلى أيضا في تنوع الأساليب والأفعال والانزياح عن المعنى التقريري السطحي من أجل إدماج القارىء فكريا وعاطفيا في المعاني الضمنية للقصيدة ....
قد تبدو لنا القصيدة منذ السطر الأول على أنها جواب عن سؤال مبهم عن سر العلاقة العاطفية التي تجمع الشاعرة بحبيبها الغائب جسدا والحاضر روحا
فمن ياترى يكون هذا الحبيب الغائب جسدا والحاضر روحا في أعماق روح الشاعرة ؟؟؟
استهلت الشاعرة قصيدتها بجملة القول المتبوعة بسؤال استنكاري يفيد التعجب :
قالوا لي
كيف أحببته ؟؟
أنت هيكلك من الثلج
وعيونه من الشمس
لعل استهلال القصيدة بجملة استفامية يدل على أن هناك سائلا مبهما لم يصدق هذا الحب الغرائبي ...
داخل هذه الجملة الاستفهامية وردت جملة مركبة موصولة برابط عطفي (الواو) "هيكل من ثلج" و"عيون من شمس" وبين هاتين الجملتين البسيطتين تتجلى المفارقة بين ذاتين متباعدتين (ذات من ثلج )و(ذات من شمس)
تشير الجملتان إلى تلاقح وتفاعل الذاتين المحب والمحبوب الذي ينتج عنه ذوبان وهو إحالة ضمنية على قوة الانسجام الروحي بين المحبين
بناء على هذا التركيب البلاغي والانزياحي والرمزي نلاحظ انزياحا كبيرا على مستوى اللغة المعيارية والتداولية التي لا تستطيع تصوير الشعور الداخلي لهذا الحب الصوفي ،وتتجلى مظاهر الانزياح في هذه القصيدة في مجموعة من الجمل الشعرية نشير إلى بعضها بإيجاز
عندما غادرت
أخذت معك المدينة كل البراعم والورود (المقطع ٤)
في هذا السطر الشعري نلاحظ وجود دلالتين
دلالة المغادرة التي تعادل الغياب والموت والهجرة والفراق ودلالة الحزن والخراب واللامعنى الوجودي،فدلالة ألم الفراق ووجع الاكتئاب جعل الشاعرة تنظر إلى المدينة نظرة مغايرة لنظرة الماضي( الماضي المشرق بالجمال) و الحاضر الدال على الخراب والحزن والحسرة
في المقطع( ١١ )تحضر صورة الغزال والصياد ..الغزال السريع المنفلت من قبضة الصياد الذي أنهكته المطاردة دون جدوى
وسياق هذه الجملة الشعرية يحيل على وجود تقابل دلالي بين دلالة التمسك بالحبيب ودلالة الانفلات والامتناع وخيبة الأمل بين عاشق مجنون ومعشوق طائش ومنفلت وغير مستقر ....
بناء على هذه الكثافة الرمزية في التعبير عن تجربة حب جنوني بين حبيبين مختلفين ومتعارضين تجمع بينهما علاقة حميمية داخلية استطاعت الشاعرة أن توظف لغة شعرية عميقة في معانيها وكثيفة في بلاغتها ومعجمها وصورها الفنية ....
لتنقل القاريء رسالة سامية وهي أن الحب الحقيقي لا يتغير بتغير الظروف ولا يزول من القلب الطاهر، فخبث الإنسان هو الذي شوه صورة هذا الحب الذي أودعه الله في قلوب البشر من أجل توطيد أواصر الرحمة والتسامح بين البشرية جمعاء

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه