مملكة في الهواء
أسطورة أطلنتس لا تزال، ومنذ آلاف السنين، تشغل بال كل من يسمع أو يقرأ عنها.
مملكة تحت التأسيس
تعيش تونس هذه الأيام على وقع جدل حاد حول مملكة أطلنتس الجديدة بعد أن تبين أن نائبة رئيس البرلمان الجديد سوسن المبروك تشغل منصب وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة المملكة التي يرأسها محمد العبادي تحت زعامة الملك هارون إيدن.
والمملكة الجديدة تعتبر امتدادا لقارة أو جزيرة افتراضية أسطورية لم يثبت وجودها حتى الآن بدليل قاطع، ويقال إنها كانت متقدمة علميا وتكنولوجيا، وإنها اختفت منذ آلاف السنين نتيجة ظاهرة طبيعية غامضة، وقد ألهمت خيال الكثيرين من الكتاب ومنتجي السينما لإنجاز عدد ضخم من أفلام الخيال العلمي التي تدور حول هذا الموضوع.
وبحسب موسوعة “انكارتا” الحديثة فإن اسمي المحيط الأطلسي وجبال أطلس في شمال المغرب مشتقّان من اسم أطلس، ملك تلك القارة المفقودة، وقد ارتكز أفلاطون حوالي العام 335 قبل الميلاد في محاورتين له على معلومات نقلها كهنة مصر الفرعونية إلى جده الرحالة والمشرع اليوناني سولون عند زيارته إلى مصر القديمة أثناء حكم الأسرة السادسة والعشرين.
وبالتالي، فإن أسطورة أطلنتس لا تزال، ومنذ آلاف السنين، تشغل بال كل من يسمع أو يقرأ عنها، وهي التي كانت منطلقا لجملة من الأفكار والمفردات المهمة في الفكر الإنساني، وشكلت أساسا للخيال والأحلام لدى ملايين من البشر، لاسيما أنها تميزت بالغموض الدائم في غياب أي دليل على مكان وجودها الأصلي.
حاليا، تقدم مملكة أطلنتس الجديدة نفسها كمملكة عالمية ذات بعد إنساني شامل لا يفرق في مؤسساتها التنموية والفكرية والعلمية بين أي من الشعوب من حيث العرق أو اللون أو الدين، بل تسعى لتحقيق المنفعة العالمية دون تمييز. لأنها مملكة تتبنى المبادئ الإنسانية في تكوينها وبنيتها، وتعرّف نفسها على أنها مملكة تحت التأسيس، ذات سيادة لامركزية، وذات ملكية دستورية ديمقراطية تقوم على المؤسسات بحيث تكون السلطات الثلاث مستقلة بالكامل، ومبدأ الفصل بين السلطات يحقق حالة المؤسسات بحيث تكون السلطة التشريعية وصنع القرار، والسلطة القضائية والتنفيذية مسؤولتان عن تنفيذ قرارات السلطتين التشريعية والقضائية، والاستقلال التام دون أي تدخل من سلطة أخرى، والدستور والقانون يجيزان، والحكومة اللامركزية المكونة من رئيس مجلس الوزراء والوزراء هي سلطة الحفاظ على هذا النظام ومراقبة آلية عمل السلطات وفصلها.
ما يمكن استنتاجه أن المملكة التي تصف نفسها بأنها أرض الحكمة، لا تزال بلا أرض، وهي إلى حد الآن دولة افتراضية، تدار من قبل رجال أعمال يدورون في فلك جهات غامضة، وبتركيز واضح على الدول التي تعاني من حالة انفلات أو فوضى، ومن بينها تونس خلال السنوات الماضية، وقد وجدت من يعترفون بها ويقررون الانتماء إليها في مناطق محدودة من جغرافيا البلاد، وبلغ الأمر حد إدخال تلك المملكة على خط الأنشطة الأكاديمية، وهو ما جعل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تقرر التحقيق في تشريك متدخلين من “أطلنتس الجديدة” في ندوة نظمها المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بجزيرة جربة، الواقعة جنوب شرقي البلاد.
والسؤال: إلى متى سيتواصل الجدل خصوصا وأن المملكة الوهمية طلبت من السلطات التونسية الاعتراف بها رسميا؟
الحبيب الأسود
كاتب تونسي