حدث في مثل هذا اليوم
"السيد غوغل" ما ينفك يذكرنا كل يوم بهذه الذكرى أو تلك، ليثبت أنه ليس مجرد محرك بحث فحسب بل محرك مشاعر وأشجان.
الأعياد والمناسبات.. وحدات قياس بشرية
ما يميز شهر مارس عن باقي شهور العام أنه مدجج بالعطل والأعياد والمناسبات، حتى لا يكاد يداوم فيه طلبة المدارس وموظفو الدوائر الحكومية عندنا، سوى بضعة أيام.
وما ينفك “السيد غوغل” يذكرنا كل يوم بهذه الذكرى أو تلك، ليثبت أنه ليس مجرد محرك بحث فحسب بل محرك مشاعر وأشجان.
المدونات المخصصة لأشهر ما حدث في مثل هذا اليوم، تزدحم بأسماء لشخصيات قيل إنها غيرت مجرى التاريخ، وولدت تحت طالع برجك، وأبصرت نفس الشمس قبلك فتعض على شفتيك قائلا: لماذا لم أحظ بمثل شهرة هؤلاء؟
وسرعان ما يثوب إليك رشدك هامسا لنفسك: تعقّل، إن المشاهير لا يولدون كل يوم، وعلى دفعة واحدة، بطبيعة الحال، وإلا لما أصبحوا كذلك.. أنت تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، وليس على سجاد أحمر في مسابقات الأوسكار أو مهرجانات كان.
أدقق في أحوال “الزملاء” من مواليد برجي فأجد آينشتاين، مايكل أنجلو، فيكتور هيغو، وغيرهم من الذين أقيمت لهم التماثيل والصروح والجداريات، وسميت بأسمائهم الشوارع والجامعات، فأعزي النفس قائلا: يكفي أنهم ولدوا في برجي وأقتسم معهم نفس الطالع الفلكي.
أعود وأتساءل عن معنى أن يكون المرء مشهورا أو من الأعلام الذين يتذكرهم الناس، فأجد أن الأمر غريب ومضلل إلى حد السوريالية، خصوصا حين يوضع في نفس السلة أحد عباقرة الإبداع مع آخر من “عباقرة” الإجرام أو التفاهة أو جمع المال، وغير ذلك من الأنشطة البشرية التي تجعل من صاحبها مشهورا، ويُبحث عنه في غوغل.
أعتقد أن القاسم المشترك بين المشهورين هو النجاح في لفت الانتباه، وبغض النظر عن طبيعة ذلك النشاط البشري الذي نجح فيه وجعل منه مشهورا ويشار إليه بالبنان.
كأن الشخصيات الشهيرة والأحداث الشهيرة إنما وجدت إلا ليجعل منها الإنسان وحدات قياس لا أكثر ولا أقل، تماما كالرطل والمتر واللتر، أما أن تسأل: رطل من ماذا؟ فهذا لا يهم.. ثم بأي وحدة قياس أخرى قيست هذه الوحدات؟
وفي هذا السياق، كان أبي رحمه الله لا يتمتع بقدر كبير من التحصيل العلمي، لكنه يوثّق لميلاده بالثورة البولشيفية، بلوغه بأزمة 29 وخميسها الأسود، زواجه باندلاع الحرب العالمية الثانية، وميلاد ابنته البكر بتاريخ انتهاء تلك الحرب ثم ابنته الثانية بالنكبة ومذبحة دير ياسين، والثالثة بانقلاب الضباط الأحرار في مصر، مرورا بالعدوان الثلاثي ثم الانفصال الوحدوي الشهير ووصولا إليّ أنا كآخر “عناقيد غضبه” قُبيل النكسة وبُعيد مصرع أيقونة الثورات أرنستو تشي غيفارا.
وبالعودة إلى شهر مارس الذي يسرق سجل وقائعه الأضواء من أي نشاط نريد توثيقه، فإني لن أتذكر مستقبلا هذه السطور إلا بالقول إني كتبتها يوم ذكرى استقلال تونس، ونشرتها في النيروز أو يوم الانقلاب الربيعي.
حكيم مرزوقي
كاتب تونسي