علي السوداني
حدث هذا في زمان صرت فيه عليلاً لا أقوى على الجلوس خلف المائدة وتشكيل ورسم حروف القصة فوق حافة الحاسوب العتيق والمسجل على ذمة الفائدة حتى الآن .
الليلة أنا أحكي وابنتي الجميلة البارعة طيف تكتب القول على سلّم الحروف المتناثرة .
أقطع الكلام وأفر صوب الحمّام لأن حبوب التدرير التي وصفها لي الحكيم هشام نعيم تجعلني أتبول سبع مرات كل ساعة ، وعندما أعود إلى بنيّتي أجدها صامتة ومبتسمة خلف شاشة الكتابة فألقي نظرة مستعجلة على ما كتبت لأكتشف همزة منفلتة عن كرسيها وياء مقصورة بغير شكلها ومحلها ومفردة منصوبة بقوة السهو ، فأضحك وأُصحح وتضحك طيوفة الحلوة وأعود إلى سريري لإتمام ما تبقى من مكتوب جريدة الزمان العزيزة .
اكتبي يا بنيّتي إنَّ أباك لفي تعبٍ شديد ، فتدمع عيناها وتتوسلني أن أمحو هذا السطر اللعين ، فأخرج من جوفي نفساً ساخناً واطلب منها أن تبدل مفردة التعب بكلمة الفرح الكبير .
سأعود إلى سيرتي الأولى وأقصف المنغلة والغزاة بهاونات الكلام الثقيل ، فتسكت وتنظر إليَّ ووجها يكاد يصيح : أما آن لك أن تهدأ وتستريح حتى ميعاد العوافي يا أبي ؟
سنقطع الكلام والكتابة دقائق استراحة ونجلس على مصطبة الإحتياط فأسكن أنا تحت بطانية الدفء وتصنيع أحلام اليقظة وما حولها ، حتى عودة طيف بصينية صغيرة زرعت بها فنجان قهوة مرة لي وقدح عصير داكن لها ، فتمنحني فرصة منتظرة كي أُثرثر بحضرتها أخباري العتيقة عن شربت جبار على أبي نؤاس وشربت سمير ابن عمتي أُم صبحي في الباب الشرقي وشربت زبيب حجي زبالة بالحيدرخانة لصق مقهى ومأوى حسن عجمي ، ثم تكبر حماستي فأحدثها عن طين قطاع ستين بمدينة الثورة وبرصافتها التي صنعت أول الوعي والقراءة ، وتمر بساتين حجي مهدي وأبنائه الخمسة قبالة العطيفية الأولى بكرخ الحاضرة المجيد حيث بدأت كتابة أول خمس من قصار القصص تم نشرها بقدرة قادر وبمرسال كريم شغيدل وبفرمان حاسم من جمال حسين علي ، وبزيارة مباركة من ركن الدين يونس حمادة ومنذر عبد الحر إلى بيت أخي جمعة وهناك عشت وتزوجت إيمان حبيبتي وأنجبنا عمر وطيف ، حيث فتحا أمامي صفحة الجريدة التي نشرت تلك المقصوصات وولدت أعظم بهجة بحضن ذلك المساء الكرخي الجميل .