دولة على قدم واحدة بسبب مسلسل
قد يكون اسم "فلوجة" حيلة لجلب المشاهدين أو أنه استعار مما جرى للفلوجة دلالة الهدم والمحو وردّات الفعل العنيفة.
مسلسل تفاعل معه الجميع سلبا وإيجابا
من حلقة واحدة خطف مسلسل "فلوجة"، الذي يعرض في قناة خاصة تونسية، أنظار الشعب والحكومة والنقابات، وتدخل وزير التربية ليدلي برأيه ويقول إن أمر المسلسل بيد رئيسة الحكومة ورئيس الجمهورية.
لم تكن الضجة المتزايدة بسبب اسم المسلسل ولا علاقة له بفلوجة العراق وما جرى لها وفيها بعد غزو 2003. قد يكون الاسم مصادفة، أو هو حيلة لجلب جمهور المشاهدين، أو أنه استعار مما جرى للفلوجة دلالة الهدم والمحو وردّات الفعل العنيفة.
المهم أن دولة كاملة وقفت على قدم واحدة وهي تتحدث عن مسلسل يناقش التغييرات التي تجري في المعاهد الثانوية ولدى شباب ما بعد ثورة 2011 وكيف يتعامل المجتمع مع الأجيال الجديدة التي باتت في قطيعة مع النماذج القديمة.
ما معنى أن تضيق دولة كاملة بمسلسل؟ وأيضا لماذا تضيق به وهي تشاهده وتعمل له حملة دعائية كبيرة دفعت بغالبية الناس لمشاهدة المسلسل في حلقته الثانية، حيث تحدث استطلاع رأي عن أن ثلاثة ملايين تونسي أعمارهم 15 سنة أو أكثر شاهدوا الحلقة الرابعة من المسلسل بفعل الجدل الواسع الذي ملأ حياتهم، حيث تحدث الناس عنه في وسائل الإعلام التقليدية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل النقل، وفي سهرات رمضان.
الحكاية حركتها نقابة التعليم الثانوي التي دعت إلى وقف المسلسل حالا لأنه مس من صورة المؤسسة التربوية. مع العلم أن “فلوجة” حصل على ترخيص رسمي من وزارة التربية لتمثيله في أحد المعاهد المشهورة بمحيط العاصمة تونس.
لم يسألوا المنتج عن السيناريو ولم يحدثوه عن شروط ولا ضمانات، هم فقط فتحوا له أبواب المؤسسة التربوية، وطلبوا منه أن يحسن ديكور المعهد، وأعجبتهم الحكاية خاصة أن المنتج جلب أثاثا جديدا وعمل ديكورا أخرج صورة المعهد من الرتابة.
المشاهدون، ومن بينهم جماعة النقابة والوزارة وموظفوها وعائلاتهم يعرفون طبيعة مسلسلات منتج “فلوجة”، وهو يقدم محتوى مختلفا ويناقش قضايا حرجة مثل العلاقات المفتوحة بين الشباب وطريقة اللباس وقضية المخدرات، وهو يغوض في المجتمع ليقدم أسوأ ما فيه بقطع النظر إن كان ذلك يوافق الرأي العام أو المؤسسات الرسمية.
وإذا كانت الوزارة تعرف هذا التوجه ومنحت المنتج فرصة التصوير في المعهد وفق اتفاق موقع بينهما، فلماذا تحتج الآن، وعلام تحتج طالما أنها تعرف من البداية أنه سينتج مسلسلا يحرجها.
يمكن للجمهور أن يطالب بوقف مسلسل يعرض ما يراه مسا بالأخلاق، لكن الدولة ليست جمهورا، ولا تحكمها ردة الفعل ولا تتحكم بها الشعبوية، فهي مؤسسة ضامنة لحق الاختلاف، ومثلما أنها تحمي النموذج الذي يريده الجمهور، فمن واجبها أن تحمي ما لا تريده الأغلبية خاصة أن الثقافة لا تقاس بالكم ولا بالانطباع، والدولة تنفق عليها لبناء شخصية متنوعة ومتوازنة وتتحمل الاختلاف. فهل يعقل أن تتدخل هي بنفسها لتقود جملة تخويف ضد مسلسل؟
مختار الدبابي
كاتب وصحافي تونسي