محمد عبد المحسن
ثمة تجربة دأبت عليها دول متقدمة - منها فرنسا مثلاً - لتوفير خدمات الحماية الأمنية للشركات الخاصة التي تتطلب طبيعة نشاطها حراسة مستمرة ، كالمصارف ، ومكاتب بيع وشراء العملات وإرسال الحوالات واستلامها، ومتاجر المجوهرات وأمثالها، بأن تخصص مجاميع من الشرطة لحراسة المجمعات التجارية والفنادق الكبيرة والأبراج السكنية الراغبة في ذلك بناءً على اتفاق بين الجهة مالكة المجمع أو البرج أو الفندق والجهة الأمنية المختصة على تخصيص عدد مناسب من أفراد الشرطة يتناوبون على الحراسة وهم يرتدون زي الشرطة الرسمي على أن تقوم الجهات المستفيدة من خدماتهم بدفع رواتبهم طيلة مدة التكليف، ويظل ارتباطهم الإداري بالجهة الأمنية الرسمية التي تتولى شؤون خدمتهم وانضباطهم، ويتم هذا عادة بموجب عقد بين الطرفين .
وأذكر أن هذا الأسلوب كان معتمداً في العراق على نطاق محدود بين وزارة الداخلية وشركة نفط العراق قبل تأميمها ، فكان يجري تكليف عدد من ضباط ومراتب الشرطة بالتفرغ لأعمال الحماية في المواقع التي تحددها الشركة التي يقع على عاتقها دفع رواتب لهم فيما كانت وزارة الداخلية تستمر في صرف رواتبهم ، ولهذا كان ضباط ومراتب الشرطة يسعون إلى العمل في مواقع عمل الشركة في كركوك ومواقع أخرى لحراسة المنشآت النفطية وتنفيذ التعليمات التي يتطلبها نشاط الشركة ، وهي تجربة تستحق الإحياء والتطبيق على نطاق واسع يسمح للشركات وإدارات المجمعات الكبيرة (المولات) وإدارات المجمعات السكنية والفنادق بالإستفادة من خدمات الحماية الأمنية الرسمية عن طريق التعاقد مع مديريات شرطة المحافظات لتخصيص عدد مناسب من أفراد الشرطة لحراستها مقابل دفعها رواتبهم المقررة، ويمكن إقرار منحهم نسبة مئوية بسيطة من رواتبهم من جانب الوزارة إن أرادت ذلك ، وهذا يشكل تخفيفاً مالياً مهماً عن كاهلها .
ما أعاد إلى ذاكرتي هذه الممارسة والدعوة إلى إحيائها وتطويرها قرار أصدرته وزارة الداخلية مؤخراً يتضمن السماح للتجار والمقاولين من فئات محددة والصاغة وأصحاب منافذ توزيع الرواتب
بحمل السلاح ، وهو قرار يتضمن إقراراً بعدم قدرة أجهزتها على تأمين الحماية الأمنية الكافية لحياة وأموال هذه الشرائح ، وكأنها تقول لهم : إذهبوا واحموا أنفسكم وأموالكم بأنفسكم !.
إن توفير الأمن يتطلب فيما يتطلب تقليص حالات منح إجازات حمل السلاح للمدنيين إلى أقصى حد منعاً لإساءة استخدامه كما أن عدم كفاية إمكانات وزارة الداخلية في الوقت الحاضر لتحمّل مسؤولية حفظ الأمن يتطلب ، بدلاً من إباحة حمل واستخدام السلاح ، اتّباع الأسلوب المشار إليه، أي اعتماد أسلوب تكليف منتسبي الشرطة بالعمل لدى الجهات الخاصة وفق شروط تتضمنها عقود نموذجية يجري إعدادها لتنظيم حقوق وواجبات الوزارة والجهات المستفيدة التي يكون عليها تحمل رواتب أفراد الشرطة المكلفين .
ومن المهم الإشارة إلى أن تطبيق هذا الإجراء يتطلب أولاً معالجة تشريعية بتعديل قانون الأسلحة أو إصدار قانون خاص ينظم شروط تخصيص مجاميع الشرطة لهذا الغرض وإجراءات التطبيق والأحكام التي يجب أن تتضمنها العقود التي تبرم لهذا الغرض .
من شأن الأخذ بهذا النظام تحقيق أهداف مهمة هي :
١- تأمين قوى حراسة محترفة لحماية المنشآت الخاصة المعرضة لمخاطر الجريمة، تكون جاهزة في الموقع للتدخل الفوري عند الحاجة .
٢- الحد من انتشار السلاح خارج القوات الأمنية الرسمية .
٣- توفير مبالغ مالية كبيرة لصالح خزينة الدولة جراء دفع رواتب أعداد كبيرة من أفراد الشرطة من قبل القطاع الخاص المستفيد من خدماتهم .