"العالم بين مشهدين"
د. شاكر كتاب
نشهد اليوم صراعا بين إعلام الحرب وإعلام السلام. واذا كانت لغة الاعلام غالبا هي وسائل الكتابة والفضائيات والإذاعات فإنها اليوم تجد لها وسائط اخرى اكثر إثارةً وتأثيراً. لغة اعلام الحرب اليوم تتجسد أولاً بالطائرات القتالية والغواصات النووية وحاملات الصواريخ ومن ثم يصار الى تغطية تحركاتها وصورها واخبارها عن طريق وسائط الاعلام التي تؤدي دورا تضخيمياً لإرهاب الدول والشعوب وكذلك يأتي الخطاب الأمريكي في اللحظة الراهنة. على العكس من ذلك تأخذ لغة إعلام السلام شكل المشاريع الاقتصادية الجبارة والاستثمارات الكبيرة والتغيير المتسارع لتوجهات السوق العالمية ونشاطات الدول الاقتصادية نحو التخلي عن الدولار كعملة مركزية أساسية في التعامل التجاري بين دول العالم المختلفة. ترافق هذا التغيير الخطير وسائط إعلام تتحدث بهدوء تستخدم الخرائط المستقبلية والآفاق والاحتمالات التي تبشر بها جملة التغييرات على الصعيد العالمي. اعلام الحرب لا يستخدم لغة التراجع بل يلجأ الى التهديد والتذكير بالقدرات الهائلة لأمريكا ومعسكرها ويغض النظر عن التفكك الحثيث الجاري في صفوف حلفائها واتباعها. لغة الإعلام الحربي تستند على ترويج الصور المخيفة للصواريخ وحاملات الطائرات والقنابل والموت الجماعي وسقوط الدول ومجاعات الشعوب. على حين نجد ان لغة السلام تنشر صور لمخططات خارطة طريق الحرير والمشاريع العملاقة التي تلتزم بها الصين في مفاوضاتها مع الدول المتعاونة معها. لنتابع مثلا كمصداق لما نقول تصريحات ماكرون قبل زيارة الصين بأيام وبعدها بلحظات. كان يقول بضرور فك ارتباط الصين وروسيا وبات يطالب بإلغاء اعتماد اوربا على امريكا حتى ان شركات فرنسية ستتعامل مع الصين بعملتها الوطنية بدلا من الدولار. صعود نجم الين الصيني في مقابل تراجع انوار الدولار الأمريكي ظاهرة مخاض المرحلة لكي تنبثق حالة دولية جديدة تماما يكون فيها عالم القطب الواحد قد انطفأت أضواءه تماما. ايهما هنا اكثر فاعلية: لغة إعلام الحرب أم لغة إعلام السلام؟. الله أعرف والعارفون بالاعلام والسياسة.