"حق الملح" لا الذهب

بقلم يمينة حمدي نيسان/أبريل 20, 2023 103

"حق الملح" لا الذهب


لست هنا ضد أن يقدم الرجال هدايا ثمينة إلى زوجاتهم، لكنني أرى أن فكرة الاستعراض الأجوف تفقد الهدية دلالتها أولا.

الاستعراض المبالغ يفقد الهدية معناها
مازحني زوجي ونحن نقترب من الأيام الأواخر من شهر رمضان المبارك، بالقول إنه يستحق هذه المرة "حق الملح" بالقدر نفسه الذي أستحقه. ورغم مبالغته في المطالبة بهذا الحق الرمزي الذي يكشف الود المتبادل بين الأزواج بعد نهاية شهر رمضان، إلا أنه بالفعل من وجهة نظري يستحق ذلك، فقد كان مساهما معي في مهام إعداد طعام الإفطار. وهذا التعاون داخل الأسرة يمثل نوعا من الود الذي تفرضه الحياة الزوجية وطقوس الشهر الكريم.

"حق الملح" السائد في التقاليد الفلكلورية التونسية، ليس مقتصرا على تونس وحدها، بل شائع أيضا في أغلب الدول العربية -وإن اختلفت التسميات- عندما يكافئ رب الأسرة زوجته على جهودها الجبارة وصبرها خلال شهر رمضان في تلبية أذواق الصائمين في المنزل، ويكلل الشهر بهدية معتبرة تحت بند "حق الملح" تقدم إلى ربة البيت في أول أيام عيد الفطر المبارك.

أعتقد أن الحاجة إلى التذكير بهذا التقليد الجميل داخل العائلات ضرورية، ليس بنوعية الهدية وثمنها بل بقيمتها الرمزية والبهجة المصاحبة لها، حتى بالنسبة إلى الأشخاص غير الودودين في تعاملاتهم. غير أنني بت أرى على مواقع التواصل الاجتماعي استعراضا فارغا يقلل من قيمة النظرة التقديرية لـ"حق الملح" عندما أصيب بعضهم بحمى التباهي بكمية الحلي والأساور الذهبية التي سيقدمونها إلى زوجاتهم، بل زعم أحدهم على حسابه بأنه سيقدم سيارة فاخرة تقديرا منه لـ"حق الملح" ومعترفا في الوقت نفسه بأن زوجته تمتلك بالأساس سيارتين، وهو استعراض لا يختلف كثيرا عن المباهاة والتفاخر بالطعام عندما يكدس على موائد الإفطار بطريقة هستيرية، مع أن فائدة شهر رمضان تعلمنا عدم الإفراط في الأكل من أجل راحة الجسد، والعمل على مساعدة المحتاجين.

لست هنا ضد أن يقدم الرجال هدايا ثمينة إلى زوجاتهم، وهو أمر جميل بلا شك، ويستند إلى القدرة على تحديد نوعية الهدية وثمنها، لكنني أرى أن فكرة الاستعراض الأجوف تفقد الهدية دلالتها أولا، مثلما تحول الود الذي ساد بين الأجداد والجدات عن "حق الملح" إلى عرض فيديوي على تيك توك أو فيسبوك، حيث يتعمد الكثيرون الظهور بشكل براق عبر التصنع والتباهي، والكذب في الكثير من الأحيان، حتى يتمكنوا من كسب مكانة وصيت في المجتمع الافتراضي.

أنجزوا بحثا على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "حق الملح" لتقفوا على حقيقة هذا الاستعراض الأجوف لكميات الذهب والحلي وهَوس الاقتناء..، مقابل تلك الهدية الرائعة التي قدمها شاب مغربي إلى والديه في شهر رمضان المبارك، عندما فاجأهما في جلسة بعد الإفطار بوثائق وتذاكر السفر معا لأداء العمرة في مكة المكرمة.

فتح الشاب المغربي كفيه أمام والديه وقال لهما "هذه هديتكما، إنها عمرة لبيت الله في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، علني أفي حق التربية التي منحتموني إياها".

انهمرت دموع الأم المغربية فرحا بهدية ولدها الرائعة، وقدمت إلينا تلك الهدية درسا إنسانيا عن المعنى الحقيقي والصادق لهدية "حق الملح"، وهو ذاك الإحساس بالفخر الذي يشعر به المرء حينما يحس بأنه جديرٌ بالاحترام والاهتمام والمعاملة الحسنة من محيطه الأسري والاجتماعي.

 

يمينة حمدي

صحافية تونسية مقيمة في لندن

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه