"المهبى" و"العيدية"
إذا قمت بالواجب والتزمت دفع “المهبى” في تونس فإنك ستجد أن نفس المبلغ الذي دفعته لأطفال الآخرين قد عاد لأطفالك.
العيدية.. واجب اجتماعي عليك التفكير فيه مع كافة متطلبات العيد
“المهبى” في تونس أو “العيدية” كما تسمى في باقي أقطار المشرق العربي، هي ذلك المبلغ النقدي الذي يمنحه الأهل والأقارب والزائرون للأطفال في عيد الفطر.
هو واجب اجتماعي عليك التفكير فيه مع كافة متطلبات العيد، إذ ينبغي أن تمد يدك إلى جيبك وتوزع مبلغا محترما من المال، وبالتساوي، على الأطفال الذين تزور أهلهم أو يزورونك.
هكذا يصبح الرابح الأكبر في مثل هذه المناسبات، هم الأطفال الذين ما زال يعني لهم العيد معناه، بينما يتدافع الكبار نحو الدفع عند كل مرة يرغبون فيها بالاحتفال والابتهاج، وقد يسترقون لحظات مع لعبة طفل بحجة أنهم يعلمونهم طريقة تشغيلها، كما كنت أفعل شخصيا مع أطفالي.
إذا قمت بالواجب، والتزمت دفع “المهبى” في تونس، فإنك ستجد أن نفس المبلغ الذي دفعته لأطفال الآخرين قد عاد لأطفالك، مع فارق العدد ونسبة الزيارات، أما إذا كنت لا تزور ولا تزار، فمسألة أخرى.. وفيها وجهة نظر.
جميل أن نتبادل المشاعر في مثل هذه المناسبات رغم كلفتها، وإنما ثمة نوع غريب وخبيث من السلوكيات في المعايدات التي تبدو في ظاهرها بريئة ونقية، لكنها تبطن نوايا شريرة وعدائية في الذهنية الشعبية وكيفية تفسيرها للمصافحات والعناقات صبيحة يوم العيد.
أخطر ما سمعته من أحد الذين يدعون التدين ويخطب في جموع الناس، هو أنك “تمسح كافة ذنوبك” في الشخص الذي تعانقه، فيتحمل وزرها ويصبح وكأنه هو الذي ارتكبها يوم الحساب والعقاب، لمجرد أن تبادر لمعايدته.
ووفق هذه “النظرية الفقهية العجائبية”، عليك أن تبادر إلى طلب الصفح قبل غيرك، لا لسماحة في نفسك، وإنما لمكر وحيلة منك، تكمن في كيفية التخلص من ذنوبك، وملاقاة ربك عندئذ، عفيفا نظيفا مطهرا.
تخيل يا رعاك الله، نسبة الذين يركضون خلف بعضهم بعضا لمسح ذنوبهم في بعضهم بعضا، ومن ثم دخول الجنة دون بعضهم بعضا.
تخيل شخصا يركض خلف الآخر ليحتضنه ويطلب منه العفو والسماح، وهذا الآخر يركض بدوره هاربا ومسرعا نحو شخص آخر لنفس الغرض.. وهكذا تصبح الحياة ركضا وسباقا دائمين بقصد “مسح الذنوب” والفوز بنعيم الآخرة.
وبالاستناد إلى هذه النظرية العجيبة والتفسير الغريب للمعايدة، أفكر شخصيا، في السير ضمن جحافل من الحسناوات، صبيحة العيد، والطلب منهن أن يمسحن ذنوبهن في شخصي المتواضع، ولأواجه ربي بعدها، مثقلا بالذنوب.
يا إله العفو والمغفرة، أعنّي عليهم، هؤلاء الجهلة الأشقياء الذين جعلوني بسقف تفكيرهم الأرضي، أتكفل وحدي، بحمل أوزار أجمل حسناوات العالم، وأُعفي غيري من تحمل تبعات ذنوبي، وأمشي في الأرض مختالا فخورا.
ثمة أمنية ساذجة أخرى يا إلهي الكريم: أن تعيدني إلى طفولتي وحدي، دون أي طفل من أترابي، كي آخذ “المهبى” و”العيدية” وحدي، في مشارق الدنيا ومغاربها.
حكيم مرزوقي
كاتب تونسي