(غبش الصورة) ..تمثّلات "الجميل" في السؤال الفلسفي

بقلم فرح تركي نيسان/أبريل 29, 2023 141

 

فرح تركي

يحاول الباحث محمد الميّالي في بحثة الموسوم (تمثلات الجميل في السؤال الفلسفي) أن ينهي ولو جزءا من الجدل القائم منذ عقود طويلة حول مقاييس الجمال التي شاعت عند كثير من الشعوب والمجتمعات تلك المقاييس الموهومة، التي تعرض بسببها كثير من الأفراد في كثير من المجتمعات إلى ضغوط نفسية واجتماعية وتتمحور هذه المفاهيم حول معطيات وصفات عامة مثل : لون البشرة والشعر ولون العيون والطول والوزن وشكل الوجه، فالبحث محاولة جادة لتأسيس نقطة فاصلة للبدء بفهم كثير من المعتقدات والمفاهيم وقد اعتمد البحث على أدلة ومصادر مهمة أولها القرآن الكريم إذ استشهد بكثير من آياته مفصلاً القول في معانيها.
إنّ الجسد حالة زائلة - كما يتفق الجميع- وكلّ ما هو زائل لا يعتمد عليه في تثبيت حكم أزلي ، لأنّ الزوال يعني تغيير وتبدّل وتحوّل وإن الروح هي الأساس ـ بمعنى صفاتها الخُلقية- لذا هي من تحدّد جمال الانسان في عوالمه الثلاث: الذر، الدنيا، الآخرة

وقد حاول الميّالي أن يبحث عن فلسفة الجمال في الحضارات والثقافات كلها فذهب إلى اليونانية والإغريقية والهندية والمسلمين وكذلك عند التوحيدي واللا توحيدي فضلا عن المسلمين وغيرهم.
من الذين قضوا وقتاً طويلا في محاولة استكشاف ماهية الجمال وقد توافقت آراء بعضهم واختلفت آراء أخرى وهذا إشارة إلى إن مفهوم الجمال نسبي خاضع لمتغيرات المكان والزمان والرؤيا .
ولعلّ من أبرز من نظّر في هذا الحقل المعرفي : (أرسطو_سقراط _هيغل _كانط _تومان_كون بيرك _شيلر _شوبنهاور)
الفارابي _إبن سينا_ والشريف الرضي_ وغيرهم )

إنّ علم الجمال له جذور ممتدّة في الحضارات القديمة كلها ومنها حضارة بابل وحضارة وادي النيل أقصى الشرق، وفي الصين ومنها ظهرت مصطلحات ومناهج للجمال لكنها وقفت عند الغناء، الموسيقى والرقص وما شابه ذلك بحسب البحث.
و الجمال من الناحية النفسية يعدّ مرتبطا باللذة وكل لذّة زائلة. كما هو الأمر مع كل شيء دنيوي، ولأنّ الجسد خلق من أديم الأرض وهو راجع إليها بعد الموت، فما يبقى هو الروح التي خلقها الله التي تمر بثلاث مراحل وهي عالم الذر والدنيا والآخرة
لذلك فإن من يبحث عن جوهر الجمال يجده في الروح وما عداها زائل وكل زائل لا يمتلك الجمال، لأنه وقتي

(إنّ الجمال الحقيقي لا مصاديق له في الدنيا كون كل شيء هو مقدر تقديراً ضئيلاً)
والجمال الحقيقي في الآخرة وهو الجمال النوراني وليس الترابي، الجمال الذي يكون كفؤا لجمال أهل الجنة من الحور العين والولدان المخلدون والملائكة وغيرهم

ولأنّ الصوت من صفات الجمال فقد تطرق الميّالي في بحثه إلى جمال الصوت وأكّد إن لنا حواساً ناقصة ما دمنا في الدنيا فكم تطربنا بعض الأصوات
ولكنها في الحقيقة" قبيحة" فأين هي من أصوات الآخرة، من أصوات الحور العين وما وعد الله المؤمنين في جناته

وفي البحث إشارة إلى الكثير من القصص التي وردت في القرآن الكريم ومنها قصة عشق زليخة للنبي يوسف عليه السلام فزليخة أحبت في النبي ما لم يراه الناس في وقتهم. وقد أمره الله بزواجه منها وفي حديث بينهما إن النبي يوسف يخبرها بأن يأتي نبي اسمه محمد صل الله عليه وسلم يحمل من جمال يوسف أضعافه

إنّ "غبش الصورة" يحمل إشارة رمزية إلى أننا ننظر إلى كل الصور، الوجوه، الناس من دون وضوح، وكأننا نغالي في إرساء أسس المنطق في الحياة وصورها ونلغي الفلسفة، بترك البراهين
نحن نعطي أحكاماً تصدر من أعين، قد تكون أحكاماً مستعجلة، أو تكون إصدارات متناقلة. نحن وضعنا قالبا أو نموذجا جماليا من العيون الواسعة ولون بشرة معين وطول وطبيعة شعر وحتى في حجم وشكل الشفاه، فاصبح من لا يمتلك هذه الصفات أمام أمرين اما الرضوخ بالواقع وهو عدم تقييمه كجميل من نظر بعض من حوله، أو يلجأ إلى تدخل طبي من جراحة التجميل أو التطورات والإجراءات الحديثة والأجهزة التي تهبهم جمالاً موهوما لمدة ستة أشهر ويصبح ملزما بالاستمرار بهذا الاتجاه التجميلي الذي يعدّ وجوده ضرورة لمعالجة التشوهات الولادية والطارئة بسبب الحوادث وليس لمن يمتلك مظهرا مقبولا ولائقا.
ويعدّ الميّالي من الباحثين المتحدين للقوالب الجاهزة التي يتبعها الكثير من الكتاب فهو يرى إن إنجازات العرب وبالأخص العراقيين في مقدمة المطروح من النتاج العالمي و يؤكد دوماً بأن العربي عليه الاعتزاز بما يقدمه هو والآخر وأن لا يغالي بجهود الغرب التي تعد أغلبها مقتبسه من علوم ومعارف العرب وتم تعديلها والإضافة عليها.

و(غبش الصورة) مادة مهمة أتمنى بأن تكون ضمن المنهج الجامعي لينتج لنا جيلا يقدر الجمال الحقيقي.. ويمتلك رؤيا واعية.

قيم الموضوع
(1 تصويت)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه