{ لَمَسَات: ماالأمرُ بِنُمُوٍّ بلِ هُوَ إنقِلاب }

بقلم علي الجنابي نيسان/أبريل 29, 2023 216

 

علي الجنابي

(حِوارٌ مِن أرضِ الواقع)

فوجِئتُ بصَغِيرتي تُسائِلُني وبإستِغراب؛
" أبتَاهُ، كيفَ دَخَلتُ أنا بَطنَ أمَيمَتي ثمَّ خَرجتُ بجِلباب!"
فردَدْتُ عَليها بإستِلطافٍ وبإستِحباب؛
" أنتِ ما دَخلتِ بلِ اللهُ خَلَقَكِ في بطنِها وهوُ رَبُّنا الخالِقُ الوَهَّاب، ثمَّ هوَ مَن أخرَجَكِ مِن بطنِها فألبَسناكِ نحنُ الحُليَّ والأثياب"، فقالتْ بجُفُونٍ ناعِسةٍ وعُيُونٍ مُتقاعِسةٍ عن مراءٍ بالخِطاب؛
" لمَ الكَذِبُ أَبَه! فكيفَ وأنا في بطنِها صنعنيَ الخالِقُ الوهَّابُ، وانّى تَسَنَّى له الصُّنعَ مِن وراءِ حِجاب!" فقلتُ بلا إستغرابٍ بل بإستِحبابٍ وإستعجاب؛
"قد تعلمينَ بُنَيَّتي أني لستُ بكَذَّاب، وما كنتُ واللهِ مَعكِ وإخوَتكِ للحظةٍ بكَذَّاب، ذاكَ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب)، فقالتْ بلينِ قولٍ بإنسياب؛" فكيفَ إذاً خلقَنيَ الخالِقُ الوَهَّابُ والنّاسَ مِن وراءِ حِجاب! فقلتُ مُسترسِلاً للحَرفِ بلا أفَفٍ ولا إضطِراب؛
" هَلّا نَظرتِ يا ريمَ الفلا وحُسْنَ وجهٍ أضحى للجَمالِ مَثلا بإنجذاب، هَلّا بَصُرتِ أَظْفارَكِ المَيتةِ وكيفَ إنفَلَقَتْ من (بطنِ) أنامِلها أخَّاذةً ملساءَ بلا زَغَبٍ ولا أهداب، وكيفَ ستَنمو لكِ أسنانٌ بيضاءَ بدلَاً من تهي السَّوداءَ من (بطنِ) مَبْسَمِكِ بلا عَوَجٍ ولا أنياب، ثمَّ أنظري لشعرِ راسي وحاجبي، وشعرِ لحيتي وشاربي وكيف يولدُ من بطنِ جمجمتي بهَيْئَاتٍ مختلفةُ الطرازِ وأنظري الأهداب"،
فغرَّدَتْ وردَّتْ بفُضُولِ طَرْفٍ للدِرَايَةِ ميَّالٌ ولفَهْمِ المَعارِفِ سَيَّالٌ بإنصباب؛ "وكيفَ صنعَ اللهُ كلَّ أولئكَ فينا وكذا في غابرٍ من أحقاب!"، فرددْتُ بفُصُولِ ذَرْفٍ للحِكايَةِ شَيَّالٌ ولعِلمِ اللطائفِ كيَّالٌ بإطناب؛
" إنّ أجسادَ الخلائقَ -يا صَغيرتي- لا يُسيِّرُها نُمُوٌّ وفق سُنَّةٍ سيَّارةٍ سَنَّها الخالِقُ التَّوَّاب، فذلك ظنُّ غَافِلٍ مؤمنٍ بظاهرِ الأسباب، أو رُبَما هو ظنُّ مُستسلمٍ لفهمِ آيةِ (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) بشطرٍ من صواب، فنراهُ قد رَسى على الفعلِ (هَدَى) ونسى (الَّذِي قَدَّرَ) الإخصابَ بإكتسابٍ سلباً أو بإيجاب، أو ربما ظنُّ جاهلٍ مُرتاب، أو لعلَّهُ مُغرِضٌ كَذَّاب، ذاكَ أنَّ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ في كلِّ حينٍ هو بيدِ الحَيِّ القَيُّومِ الوَهَّاب، وتَفَكَّري معيَ في قولِ (كُلِّ شَيْءٍ)، وتدبَّري (ألكترونَ) الذَّرةِ فما هو إلّا شيءٌ ولو أنّهُ إصطفَّ مع أخيهِ لأصبحا شيئينِ بالحساب. وإذاً فبيدِهِ الخَلْقُ والأمرُ على(كُلِّ شَيْءٍ) مهما صَغرَ شانهُ ومهما كَبرَ في آفاقِ الرّحاب، و(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) بأمرِ ربِّ الأرباب، وإذاً فبيدِهِ الخَلْقُ والأمرُ على نواةِ كُلِّ خَليةٍ في أجسادِنا لحظَةَ بدءِ إنشِطارِها أو تحوِّلِها الى خَلْقٍ آخرٍ بإستقطاب، فقد يَشطرُها فتكونَ عَلَقَةً مُعَلَّقَةٍ في حُجرةٍ ظلماءَ بلا أبواب، وقد يُغَيِّرها مُضْغَةً مُخَلَّقَةً مُحَلِّقَةً حمَّالةً للأنساب، وقد يُميتُها فيُصَيِّرُها غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فلا أنسابَ ولا غَمزَةً لفارسِ حُلمٍ ولا إنتظارَ لخُطَّاب، ولا عرسَ ولا تصاهرَ ولا أحساب، وكلُّ ذلكَ مَسطورٌ ومُقَرٌّ فِي الْأَرْحَامِ ويَخلُقُهُ سبحانهُ مِن وراءِ حِجاب، لِّيُبَيِّنَ لَنَا أنَّهُ هوَ وحسب وليسَ سُنَنُهُ الرَّتيبةُ والأسباب، هو وحدُهُ صاحِبُ الشَّأنِ في كلِّ لحظةِ خَلْقٍ جاثمٍ أو حائمٍ أو دَواب، وأنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فيَخلُقُ ويرزقُ من وراءِ حِجاب، وكُلَّ يَوْمٍ نَحنُ فِي حاجةٍ للطيفِ شَأْنٍ مِنهُ بتَعَبُّدٍ وإرتقاب، ثُمَّ قد أخْرَجَكِ إليَّ طِفْلًا لديَّ ثُمَّ لِتَبْلُغي أَشُدَّكِ بينَ يديَّ نَبيلَةَ الأَصلِ جَميلةَ الآداب، وإذاً بُنَيَّتي فمنازِلُ رِحلةِ خَلْقِنا تترا ما كانَت عَملَاً بأيدِ سُنَنٍ رَتيبةٍ تفَلقُنا مِنَ الأصلابِ فنَنْموَ فنَنطَلِقُ لاهِينَ بينَ ذوي رَحِمٍ أحبابٍ ومَعارف أصحاب، بل كانَت منازِلُ رِحلةِ خَلْقِنا فِعلَاً من أيدٍ منَ الخلَّاقِ التَّوَّابِ، وهوُ وحدهُ المهيمنُ بقولِ (كُنْ فَيَكُون) على كلِّ موِضِعٍ وذرةٍ في الوُجودِ وكلِّ خَليةٍ في جَسَدٍ في أصلابٍ وفي أعقاب، ولقد خَلَقَ اللَّهُ عِيسَى بأمرِ (كُنْ فَيَكُون) فتَعَرَّتْ وفَرَّتِ الأسباب، ومِنْ قبلُ خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، وغير بعيدٍ عنّا قد قَلَبَ اللهُ خَلايا خَبيثةً لا دَواءَ لها لخَلايا حَميدةٍ في كَبدِ جارتِنا ذاتِ الحِجاب بنقاب، فإنقَلَبَتِ الخلايا صاغرةً لخلايا كبدٍ حميدةٍ تحتَ دعاءِ قلبها المؤمنِ ولربِّهِ ناسكٌ أوَّاب. وإذاً فأمرُ النُّمُوِ لا ينفَجِرُ من تَدَرُّجٍ لخلايانا بإنسلاخٍ تحتَ وطئَةِ الأسباب، بلِ يَنبَجِسُ في كلِّ آنٍ بأمرِ (كُنْ فَيَكُون) ليَستحيلَ في لمح بصرٍ الى خَلْقٍ آخَر بإنقِلاب، فتباركَ الذي قالَ (أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) في معجزٍ من كتاب، وسبحَانَ الذي (لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وربُّ الأسباب.
ردَّتْ صغيرتي وثَغرُها باسمٌ وبأقتِضاب؛
" مَا أبهى وأشهى قِيلكَ أبَتَاهُ بلا إرتياب، رُغمَ ما غُمَّ عليَّ كثيرٌ منهُ ورَغم ما فيهِ تفصيلٍ بإطناب، أو بتعبيرٍ أدقُّ؛ رَغمَ أنّي لم أفهمْ منهُ شيئاً وعلى ما شَدَدْتُ مِن أعصاب، وحَمداً للهِ أنّي مازلتُ ههُنا مالكةً لبقيةِ أطلالٍ من أعصاب، وألا ليتَني ظَلَلْتُ خَفِيَّةً في بطنِها وما سمعتُ منكَ كثيرَ جواب، ولا حرج عليك حينئذٍ لو إنكَ حاورتَني إذ أنا في بطنِها مِن وارءِ حجاب، لأنّي حيئنذٍ سأسمعُك كذِباً من وراءِ الباب، وكانَ اللهُ بعونِ أمّي على ذا بَعلٍ كأنَّهُ قادمٌ من مضارب الأعراب، وبُعداً لسائلٍ يسأَلُكَ مِن بعد اليومِ عن جواب".
لعلَّ الحقَّ معَ بُنَيَّتي في ذا ردٍّ بغليظِ خِطاب، فقد سَمِعتُ بأُذُنيَّ من قبلُ كثيراً من مِثلِ ذا الخِطاب، صَدَرَ عن صحابٍ لي احباب وحتّى عَمَّن لا أعرِفُ من أغراب. بيدَ أنّهُ لا حرجَ عليَّ، فقد أبنتُ للبنَيَّة بما لديَّ مِن حُسنِ جواب، ولن أبرحَ مُنَقِّباً عن سائِلٍ جديدٍ غيرِها في أزقةِ المدائنِ وحتَّى في أعشاب الشِّعاب، فالعِلمُ يُسبِّبُ حكَّةً في جلدي إن لم يأخُذْهُ عنّيَ المعارفُ وحتّى مغارفُ الأجناب! ويْ! لعلَّ لقبي من تهي الحَكَّة قد جاءَ فكانَ: علي الجنابي؟ رُبَّما ".

قيم الموضوع
(1 تصويت)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه