مملكة نزار

بقلم الحبيب الأسود نيسان/أبريل 30, 2023 119

مملكة نزار


بدايات نزار كانت مع الخط ثم الرسم ثم مع الموسيقى، ثم جمع تلك الاهتمامات في قصائده الملونة والمغناة.
ذكرى رحيل شاعر المرأة بقصائده التي تنبض بالحياة
تمر اليوم 30 مايو، الذكرى الخامسة والعشرون لرحيل الشاعر العربي الكبير نزار قباني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وبصم عصره بإبداعاته الشعرية والنثرية حيث أسّس مدرسة للحب كان من خلالها زعيما استثنائيا للعاشقين ومترجما لمشاعرهم في الهجر والوصال والزعل والدلال والرضا والانفعال، وناطقا رسميا باسم المرأة التي حاول أن يعطيها الفرصة لكي تقوم بدورها في أن تجعل الأرض تدور.

قبل 40 يوما، مرت الذكرى المئوية لميلاد نزار في 21 مارس 1923 في "مئذنة الشحم" بدمشق ليعيش طفولته مدللا بين إخوته في منزله الشامي العتيق الذي وصفه بقارورة عطر دمشقي، وفي أجواء رومانسية جميلة بين عرائش الياسمين وأشجار الليمون والتفاح، وفي ظل علاقة أسطورية مع والدته فائزة آقبيق المنحدرة من أصول تركية، والتي يقال إنها ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره، وتطعمه بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة وهو ما جعل البعض يرى أن الشاعر الكبير كان يعاني من عقدة أوديب وأن آثاره الشعرية تصلح لتفسير نظريات علم النفس، وعندما توفيت والدته خاطبها قائلا “يا أمي، يا حبيبتي يا فائزة، قولي للملائكة الذين كلّفتهم بحراستي خمسين عاما ألا يتركوني، لأنني أخاف أن أنام وحدي".

في بدايات مراهقة نزار، كان ضيوف والده يسألون عن اهتماماته التي قد تكون بدأت في الظهور، فيجيبهم “ابني يريد أن يكون شاعرا..”، فيستغربون أو يستهجنون، لأن لا أحد كان قادرا على إدراك حجم ما يختزنه الفتى من تمرد وثورة ورغبة في أن يأتي بالجديد المختلف.

كانت بدايات نزار مع الخط ثم الرسم ثم مع الموسيقى، ثم جمع تلك الاهتمامات في قصائده الملونة والمغناة التي كانت تنبض بالحياة وتزخر بمختلف أشكال الفن والجمال. في الخامسة عشرة من عمره، فجع بانتحار شقيقته الكبرى وصال بعدما أجبرها والدها على الزواج من رجل لا تحبه، وقال عنها في مذكراته “إن الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره”، واصفا تلك الحالة “صورة أختي وهي تموت من أجل الحب محفورة في لحمي.. كانت في موتها أجمل من رابعة العدويّة”. بعد عام من الفاجعة، وتحديدا في 1939 كان في رحلة مدرسية بحريّة إلى روما، حين كتب أول أبياته الشعريّة متغزلا بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها، كان يوم 15 أغسطس 1939 تاريخ الإعلان عن ميلاد نزار قباني الشاعر. في عام 1941 التحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق، وقبل عام من تخرجه عام 1945، قام بطبع ونشر أولى مجاميعه الشعريّة “قالت لي السمراء” على نفقته الخاصة، ليفتتح عصرا جديدا خاصا به من حيث الجرأة على التعبير والدقة في التصوير والقدرة على تجاوز السائد والمألوف، وليطلق قاموسا شعريا لم يسبقه أحد من قبل إلى كشف زواياه.

لأكثر من 50 عاما، اختص نزار في الدفاع عن المرأة وفي ترجمة مشاعرها ورغباتها، وفي بلورة خطاب عاطفي جديد للعرب، وفي التعبير عن غضب الجماهير من هزائم وخيبات الساسة، واجه دكتاتورية الحكام بديمقراطية العشاق التي حاول أن يرسيها ضمن مملكة شعرية واسعة النطاق، لكنها فقدت الكثير من بريقها بعد رحيله، ربما لأنه الوحيد الذي استطاع أن يحكمها ويدير شؤونها، وربما لأن الشعراء ليس لهم ورثة ولا أولياء عهود يستلمون السلطة بعدهم.

 

الحبيب الأسود

كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه