تحت المجهر
د. موفق الخطاب
((الخطوط العريضة لمشروع إنقاذ العراق ))
بعد الانسداد السياسي الذي وصلت اليه العملية السياسية في العراق ما بعد الاحتلال الغاشم حيث فشلت الحكومات المتعاقبة من بناء عراق ديمقراطي يلبي طموحات الشعب العراقي بالخلاص من الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد وإقامة دولة مدنية ودولة مواطنة ،بل حدث النقيض من ذلك تماما بترسيخ الطائفية والإثنية والعنصرية والمحاصصة في الحكم وتقاسم السلطة بين الكتل والأحزاب بإقامة انتخابات صورية ، مع ما واكبها من استشراء الفساد والخراب والإرهاب وتفشي العنف والمخدرات وتخلف العراق على مدى عقدين من الزمان عن ركب العالم .
و يعترف نفس الساسة وفي اكثر من مناسبة بفشلهم الذريع في حكم بلد عريق مثل العراق وقد بان عجزهم تماما في الخروج من هذا المأزق، وهم بالتأكيد لم و لن يكونوا مؤهلين لأي مشروع اصلاحي مهما حاولوا أو غيروا من عناوينهم وتحالفاتهم.
لذا اصبح اليوم واجب شرعي واخلاقي يقع على عاتق الشرفاء من أبناء العراق بتولي زمام المبادرة وعدم البقاء متفرجين مرعوبين من إرهاب السلطة، فلم يعد هنالك في القوس منزع.
و سوف نتطرق اليوم لأهم الخطوط العريضة التي من الممكن أن تؤسس لمشروع يساهم في إنقاذ العراق من محنته :
أولا : يستحسن لمن يريد أن يتبنى هذا المشروع ليكون طرفا فاعلا فيه أن يُعدُّ مسبقا مشروعا متكاملا واضح فيه معالم الطريق ويطرح على الخاصة لإنضاجه وعلى العامة للتصويت عليه والإستماع الى وجهات نظرهم بعد أن وصل الحال من التمزق والضياع في وسط غياب أي مشروع معتدل جامع وقد طال انبثاقه، و مع كثرة وتفريخ الجمعيات والهيئات والأحزاب الدينية والعلمانية ومن تدعي القومية والوطنية والفصائل الجهادية، والتي لم تزد كثرتها إلا ضياعاً وبؤساً وتشريدا.
فكان لا بد على العقلاء اليوم الاستفادة من جميع الاخفاقات و الابتعاد عن الآنا والتي كانت سببا رئيسيا لفشلها ، وأن يتناسوا خلافاتهم ويسارعوا لوضع خططهم وتصورهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، عله بتوحيد واجتماع كلمتهم يؤسسون لمشروع يمكن أن يكون مرتكزاً ومنهجاً ولو مرحلياً لوقف النزيف والتردي والتشرذم ، وربما إن إستمر الحال على ما هو عليه فهم أمام فقدان التأريخ والهوية بعد فقدانهم الأرض والقضية .
ثانيا : يجب ان يتقدم الصفوف ويقود المرحلة شخصية مرموقة مشهود له بالرصانة والوطنية وتتوفر فيه شروط القيادة مرحليا ، لكن ليس من الحكمة بمكان أن يتم الإبقاء عليه و تمجيده للوصول به الى حالة الديكتاتورية وجنون العظمة و التي هي كانت سببا لكل بلاء (بداءً من الزعيم الأوحد و وصولا الى ما ننطيها ومنو يگدر ياخذها من عدنه بعد اليوم و أخو عماد ، والله لا يوفقني وباقي النماذج التي اعطت انطباعا وصورة مقززة من القيادات الهزيلة؟؟)
وان لا يترك الأمر لشخص أو حزب او تجمع ليتفردوا لاحقا بالسلطة ،وكأنك يابو زيد ما غزيت ، والاستفادة من مقولة ديغول الشهيرة لنائبه تراجع عني خطوة .
ثالثا: يجب استثمار الحراك الشعبي الذي انبثقت منه الانتفاضة التشرينية والانتفاضات والاحتجاجات السلمية التي تنفجر بين الحين والآخر بوجه العملية السياسية وفساد طاقمها الذي جابه الثائرون بالترويع والقتل والقمع وتكميم الافواه، فيستوجب رعايتهم و إعادة تنظيمهم والتأكيد على التمسك بالسلمية فقد اصبحوا اليوم رمزا و مرتكزا لأي تغيير منشود بدعمهم وتبني مطالبهم ،و هو فرض عين يتحمله الجميع وهو يمثلون اليوم قاعدة شعبية عريضة وشرعية لأي مشروع اصلاح .
رابعا: يجب أن يتناول المشروع الإصلاحي كل مشكلة طغت بعد الاحتلالين الأمريكي والإيراني ودراسته دراسة مستفيضة من كل جوانبه الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية وحتى النفسية منها، والاسترشاد بوجهات نظر التكنوقراط وقادة الميدان ورجالات الاعلام من ذوي الخبرة والكفاءة في مجال تخصصهم في كيفية معالجتها ومحو آثارها السلبية .
خامسا : وبعد نضوج هذا العمل لابد من حتمية عقد مؤتمر شعبي كبير ليُشهر هذا التجمع الوطني عن برنامجه و تدعى له شخصيات عربية و عالمية وممثلين عن المنظمات و الامم المتحدة ،والحذر كل الحذر من إقامته خارج حدود العراق حتى لا يجير ويتهم بشتى الاتهامات الجاهزة وينفض عنه الجمع ويولون الدبر.
سادسا : يجب أن يتفهم الفريق العامل تقلبات الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بالعراق والمنطقة ، وأن لا تتقاطع اهدافهم مع الحراك العالمي بل يجب إيصال رسالة واضحة للجميع أن هذا المشروع هو إصلاحي لبناء عراق ديمقراطي وقلع الفساد من جذوره وبسط الأمن وحل المليشيات والقضاء على السلاح المنفلت والحفاظ على سيادة و وحدة العراق وهو خطوة مرحلية لحين استتباب الأمن والذهاب الى إجراء انتخابات مدنية عادلة و نزيهة .
سابعا: ليبتعد من يريد أن يتبنى المشروع الاصلاحي عن المغالاة في اطروحاتهم و وضع الشروط التعجيزية التي قد تقصم ظهره، بل إنه إن شعرت القوى المسيطرة على العراق (امريكا والعم سام ) بمشروع يتقاطع مع ما يتم رسمه من سياسات توافقية بينهم فلن يكتب له الولادة والنجاح .
ثامنا: يجب العمل على اختيار محاورين حذقين في فن التفاوض ليأخذوا مقاعدهم في دول القرار والهيئآت الدولية فهو الطريق الأقصر للنجاح و القبول. كما يجب اولا اقناع الشارع العراقي ثم باقي دول المنطقة أن هذا المشروع الاصلاحي لا يختص بطائفة ولا قومية دون غيرها ولا يمثل تحدياً لأحد فهو لجميع العراقيين ، وهو لا ينفذ أي أجندة أو توجه خارجي أو يعيد تدوير اي حزب محضور بل هو تجمع وطني يمثل جميع اطياف الشعب العراقي الذي تضرر من ارهاب وفساد السلطة .
وأخيراً يجب أن يبتعدوا كلياً عن أي ركون أو أي دعم مادي من خارج الحدود ، حتى لا يجير لجهة ما ،مما يفقد المشروع وطنيته و مصداقيته وقوته وتأثيره وقاعدته الشعبية.