أحمد حساني المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية بالقاهرة
لا شك أن الدولة التركية تشهد معركة الانتخابات الرئاسية هي الأشرس منذ تأسيس الدولة التركية سواء القديمة أو الحديثة.
ففي وجدان الأتراك ثَمَّ رمزية لمئوية تأسيس الجمهورية، العدالة والتنمية المتربع علي عرش السلطة منذ أكثر من عشرين عاما، أم تحالف الأمة حيث الطاولة السداسية الجامعة لأحزاب يفرقها أكثر مما يجمعها؛ ولعل الجامع الوحيد لها فقط الرغبة في اسقاط العدالة والتنمية وشخص رجب طيب أردوغان، وحده الشعب التركي من لديه القول الفصل.
الأول وهو الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان المدعوم بتاريخ طويل في سدة الحكم ممتد علي أكثر من عقدين، وبإنجازات علي علي مستويات عدة شهد له بها الأنصار والخصوم، والثاني زعيم المعارضة كمال كيليشدار أوغلو مدعوم بأكبر تحالف سياسي معارض في تركيا، ومدعوم أيضا من رئيسي أكبر بلديتين في عموم البلاد، تركيا لمن سيحكم الصندوق.
العدالة والتنمية مقابل المشروع الذي يوحد المعارضة بمختلف تشكيلاتها، تقدم معظمها لجمهورها صورةً عن حالة استقطاب في الشارع السياسي التركي، وتمعن أخري في وضع كشف حساب لسنوات حكم العدالة والتنمية ورصد الأزمات والاخفاقات.
في العقد الماضي حلم أردوغان بتغيير ملامح الشرق الأوسط، يكتفي اليوم بحلم تمديد إقامته في مكتب أتاتورك، لم يكن طموح أردوغان في البقاء علي رأس السلطة مهددا كما هو الآن، يذهب الناخبون إلي صناديق الاقتراع وكواهلهم مثقلة بآعباء معيشية في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الليرة، وبلوغ التضخم مستويات قياسية، ما عمق الفوارق الطبقية داخل المجتمع التركي.
وقامت تركيا في سبيل تحسين الظروف الاقتصادية، بتغيير شامل في سياستها الخارجية خلال العامين الماضيين، نحو سياسة تصفير الأزمات، وتحسين العلاقات مع إسرائيل ومحور الاعتدال العربي، المتمثل في مصر والسعودية والإمارات، بالإضافة لسوريا.
تسعون عاما مضت وتركيا تتمرغ في مستنقع العلمانية ويحكمها دستور تَمّت كتابته في أقبية الأديرة ومعابد الفاتيكان، وفي ظل تخلص الرئيس التركي أردوغان من العلمانية المتوحشة في تركيا، استطاع إعادة حق ارتداء الحجاب تدريجيا في إطار الحريات الدينية والشخصية، بعدما وجد نفسه أمام ميراث علماني ثقيل قد صبغ وجه الحياة التركية، وأحدث فاصلا زمنيا مقيتا في السياق التاريخي للأتراك.
لقد أصبحت عودة الحجاب أمرا واقعا في تركيا، بعد أن ظل أمداً طويلا ميدان معارك سياسية بين القوى الإسلامية والعلمانية، فالقوى الإسلامية تعتبر عودة الحجاب مصالحة بين المجتمع والدولة بعد عقود من محاربته، والقوى العلمانية ترى فيه أسلمة للدولة وتهديدا للأسس العلمانية التي قامت عليها الجمهورية.
كليتشدار أوغلو المرشح الرئاسي وزعيم المعارضة التركية، هو نفسه الذي قدم شكوى إلى المحكمة الدستورية العليا عام 2008 لحل حزب العدالة والتنمية، الذي مرر في البرلمان قانون السماح بالحجاب في الجامعات، بحجة الإضرار بعلمانية الدولة التركية، هو نفسه الذي يقدم مقترحا لإيجاد وضع قانوني لحماية الحجاب، ما يحدث في تركيا الآن بشأن قضية الحجاب، دلالة قاطعة على قوته في المجتمع التركي، وأنه قد أُسدل الستار على قضية إقصائه من الحياة التركية.
وقد أشرت في كتابي الذي يحمل عنوان: "جزيرة أردوغان .. أوهام تفسد أديان وتهدم أوطان" إلي أن هناك هناك ثمة قضايا جوهرية استطاع أردوغان أن يخلط الإسلام بالعلمانية من خلال مخططات المشروع في الشرق الأوسط، وكان أردوغان من أهم أركان هذا المشروع بعد أن تحدث الغرب عن تسويق التجربة التركية إلى المنطقة العربية باعتبارها تجربة نموذجية في بلد علماني شعبه مسلم وتاريخه عثماني بملامح قومية تركية.
والعلمانية في تركيا بعيدة جدا عن الزوال قريبا، في الواقع يتعايش الشعب التركي مع العلمانية بلا أي مشكلة كما كان في السابق، هناك فرق بين العلمانية الأتاتوركية التي كانت تقمع أي حراك أو وجود ديني وبين العلمانية التي جاء بها أردوغان وحزبه منذ 2001، وحتى ذلك التاريخ سنرى جميعا أي إسلام سيكتشفه الأميركيون!!
أردوغان حقق الكثير جدا لبلاده وأعظم إنجاز أننا نعيش في مناخ انتخابي رائع فيه المعارضة لديها أمل الفوز والرئيس عنده شك في الاخفاق لأن الانتخابات لم تحسم مسبقا ولا الأجهزة لديها كلمتها بل الشعب التركي.
وأخيرا أردوغان ليس خليفة للمسلمين، وتركيا ليست دارا للخلافة، ولتكريس الخلافة الاسلامية على منهاج النبوة قواعد وأصول شرعية لا يملكون أدوات تكريسها، ولكن يجب دعم أردوغان وتمنياتنا لهذا البلد المسلم الكبير المرور بأمن وأمان لمرحلة أخرى في عهد الانجازات التي بدأت منذ أكثر من عقدين وبلغت فيه الدولة التركية درجة مهمة ومحورية من التطور والتحضر والتأثير في المشهد الدولي وصناعة توازن القوي بين الشرق والغرب.