بيان الفناء

بقلم د. هيثم الزبيدي حزيران/يونيو 01, 2023 81

بيان الفناء


بيان مؤسسي الذكاء الاصطناعي يحذّر من إمكانية حدوث مواجهة مصيرية بيننا وبين ذكاء غير بشري يمتلك الكثير من المعطيات والمعلومات، وقادر على التوليد بطريقة كانت محصورة في الجنس البشري.
نواجه قفزة ستنقلنا إلى عالم بمعطيات مختلفة
البيان الذي أصدره كبار مؤسسي تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثير للقلق. يقول البيان “مكافحة المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي تصل إلى حد فناء البشرية ينبغي أن تكون أولوية عالمية كغيرها من المخاطر الأخرى التي تهدد المجتمع، كالأوبئة والحروب النووية”، انتهى. خير الكلام ما قل ودل؟ من الصعب الجزم بذلك. لكن هذا الإيجاز المقلق، يتضمّن دلالات خطيرة.

مشكلة الذكاء الاصطناعي أنه وصل ولم نكن مستعدين له. الانطباع العام أنه روبوت دبدوب ولطيف يتجول بيننا، يحاول مساعدتنا على إنجاز مهام مختلفة، مساعدة تمنحنا المزيد من الكسل. بالنسبة إلى العالم العربي هو المذيعة صوفيا التي تبنت مشروعها السعودية وأنتجتها شركة هانسون روبوتيكس. إنه مشهد بصري مخادع لروبوتات مبتسمة صاحَب دخول عالم معقد بأبعاد مصيرية.

لا أعرف من نسأل لتحلّ السكينة في قلوبنا أمام هذا التحدي الخطير. ربما نسأل مراكز الخدمات الهاتفية التي كانت تقام في تونس مثلا للدول الناطقة بالفرنسية أو في الهند للناطقين بالإنجليزية. أزاح موظفو هذه المراكز الموظفين الفرنسيين والبريطانيين ممن كانوا يتولون الرد على الزبائن، سعيا من الشركات لتقليل الإنفاق. اليوم، يزيح الذكاء الاصطناعي هؤلاء الموظفين ويرد على الزبائن واستفساراتهم. تعطل جهاز الكمبيوتر عندك؟ الذكاء الاصطناعي يرشدك خطوة بخطوة نحو حل المشكلة، بعد أن كان صوت بشري يقوم بالمهمة، ولو عن بعد. هذا ملـمح بسيط من التغيرات التي تمسنا.
الروبوت الذكي للأسف لا علاقة له بالروبوت الدبدوب أو المذيعة السعودية صوفيا. هو أقرب إلى شخصية الروبوت القاتل في سلسلة أفلام ترمينيتور. يفكر ويقرر، ثم يقتل. هذا لا يعني أن جيشا من الروبوتات القاتلة سيجتاح مدننا، لكن بيان مؤسسي الذكاء الاصطناعي يحذّر من إمكانية حدوث مواجهة مصيرية بيننا وبين ذكاء غير بشري يمتلك الكثير من المعطيات والمعلومات، وقادر على التوليد بطريقة كانت محصورة في الجنس البشري. هذا الذكاء يتحرك ليكون في ثنايا كل تفصيل صغير أو كبير في حياتنا. ومثلما غيرت الإنترنت عالمنا تماما، نواجه قفزة ستنقلنا إلى عالم بمعطيات مختلفة. التغيير الذي تلوح ملامحه أمامنا ويحذّر (أو يبشر) المؤسسون من مخاطره، هو لحظة فارقة، شيء يماثل ذلك المشهد من الجزء الثالث من سلسلة أفلام ترمينيتور، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي متحكّما في زمام الأمور.

البيان أشبه بمقطع من نص ديني قصير يحذر تحذيرا مطلقا، ويترك للمتابعين أو المريدين مهمة استقراء الخطر كما يشاؤون. وكما تمكنت النصوص الدينية من تجاوز حاجز الزمن ووجدت من يفسرها لكل زمان ومكان، كان من الواضح أن هذا هو القصد من كتابة بيان من جملة مقتضبة واحدة. الإشارة إلى الفناء مخيفة، كمن يبشّر أو ينذر باقتراب يوم القيامة.

 

د. هيثم الزبيدي

كاتب‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬لندن

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه