أزمة أوروبا مع اللاجئين تطفو على السطح تزامنا مع عودة الأسد والانتخابات التركية
اللاجئون يخشون المصير المجهول الذي ينتظرهم في سوريا، وهو ما يعني شيئا واحدا فقط ألا وهو السفر إلى أوروبا.
في انتظار قرار الترحيل
على مدار الأشهر الماضية، تعهد المرشح الرئاسي التركي كمال قليجدار أوغلو الذي كان يأمل في إزاحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الحكم بشكل نهائي بإعادة الملايين من السوريين إلى بلادهم، وقد صرح عقب الانتهاء من الجولة الأولى من الاقتراع التي جرت في منتصف مايو الماضي، بأن الشعب التركي قد ضاق ذرعا من الخطب الرنانة دون جدوى، وعاد إلى حديثه المناهض للمهاجرين بعد أسبوع على الانتخابات، قائلا “إنني أعلنها من هنا، بمجرد أن أتولى السلطة، سأعيد 10 ملايين لاجئ إلى بلادهم”.
وفي نفس الوقت الذي ألقى فيه خطابه، كان بشار الأسد في دمشق يستعد للسفر إلى الرياض، حيث أُعيد ضمه إلى جامعة الدول العربية، في إشارة إلى عملية تطبيع وشيكة معه، ومن وجهة النظر الأوروبية، فإن عودة الأسد إلى أحضان الشرق الأوسط يمكن النظر إليها من جوانب عديدة، لكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة هو الكيفية التي أعيد من خلالها فتح التساؤلات حول قضية اللاجئين السوريين، ومع ارتفاع حدة الخطاب المناهض للاجئين مع اقتراب الانتخابات التركية من نهايتها، فإن هذين اليومين من شهر مايو أعادا إلى أذهان الأوروبيين تلك القضية التي ظنوا أنها قد جمدت إلى مالا نهاية.
عودة الأسد، وبداية طريق التطبيع معه، لا تعني أن قضية اللاجئين ستعود فورا إلى الطاولة، لكن أحد أسباب سعي الدول العربية – خاصة الأردن ولبنان – إلى عملية التطبيع هو معاناتهم من ضغوط كبيرة بسبب هذا العدد الكبير من اللاجئين، وبالتالي كانت عواصم ودول الشرق الأوسط تأمل في أن يأتي الأسد إلى خيمة الاجتماع ومعه الحلول التي من شأنها أن تسمح لبعض السوريين بالعودة إلى بلادهم وبالتالي تخفيف العبء الواقع على هذه الدول.
الترحيل القسري للاجئين أو عودة الأسد ينذران بالمزيد من الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، مما سيتسبب في خلق بيئة معادية جماعية
لكن من وجهة النظر الأوروبية، فإن هذا يعني أن استخدام اللاجئين كبطاقة رابحة سيكون أحد الخيارات.
ومما لا شك فيه أن قليجدار أوغلو ينظر إلى وجود السوريين داخل الحدود التركية بنفس الكيفية، قد يكون الرقم الذي ذكره قليجدار أوغلو مبالغا فيه، حيث إن العدد الرسمي للاجئين السوريين المسجلين في البلاد هو 3.6 مليون لاجئ، لكن من المحتمل أن يكون هناك عدة آلاف آخرين غير مسجلين، إلا أن ترشحه للانتخابات الرئاسية أعاد قضية اللاجئين السوريين إلى قلب المحادثات السياسية.
لم تركز وسائل الإعلام على مدى القوة التي ستكون عليها سياسة قليجدار أوغلو المقترحة تجاه اللاجئين السوريين، إلا أن قليجدار أوغلو ذكر أنه سيعمل على التطبيع مع نظام الأسد والتوقيع على الفور على اتفاقية من شأنها أن تعيد الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهذه العودة لن تكون طوعية مثلما اقترح أردوغان، بل ستكون ترحيلا قسريا، في غضون عامين، وهو أمر لا يزال غير قانوني بموجب القانون الدولي.
هذا الأمر أثار الكثير من القلق لدى الدول الأوروبية نظرا لما يترتب عليه من طلب الحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي لدفع تكاليف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ولا شك أن بعض التصريحات التي أدلى بها قليجدار أوغلو ليست سوى خطاب سياسي الغرض منه الفوز في الانتخابات الرئاسية، وعندما تم تصوير المرشح الرئاسي سنان أوغان صاحب المركز الثالث مصافحا ومؤيدا للرئيس التركي أردوغان، أصبح من المؤكد ومن غير المرجح أن يحصل قليجدار أوغلو على فرصة لسن سياساته التي يؤمن بها، حيث احتل أوغان المركز الثالث في التصويت الرئاسي بما يزيد قليلا عن 5 في المئة من الأصوات، وانضمام مؤيديه إلى أردوغان ساهم في فوز الرئيس الحالي بولاية ثانية.
لكن بالنسبة لأوروبا، فإن إثارة هذه القضية لن تكون حكرا على قليجدار أوغلو فقط، حيث إن انتصارات أردوغان السياسية المتكررة لم تكن من قبيل الصدفة بل هي اغتنام للفرص، وهو ما يعني إمكانية أن يطالب أردوغان بإعادة التفاوض مع أوروبا بشأن اللاجئين.
اللاجئين
إن عملية إعادة التفاوض على الاتفاقية أو استخدام اللاجئين كبطاقة رابحة لن تتم بين عشية وضحاها، هذا إذا حدث ذلك من الأساس، لكن عودة الأسد والانتخابات التركية كان لها الأثر في خلق الظروف لتطورات جديدة، والشعوب في تلك الحالات المليئة باليأس والإحباط، لا تنتظر المعجزات لتجاوزها والتغلب عليه.
ويرى السياسيون الأتراك أن الترحيل القسري للاجئين أو عودة الأسد ينذران بالمزيد من الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، مما سيتسبب في خلق بيئة معادية جماعية، وهذا هو المجال الذي تحتاج أوروبا إلى الاهتمام به أكثر من غيره، لأن هؤلاء اللاجئين الذين طردوا من الشرق الأوسط لن يعودوا جميعهم إلى سوريا.
من المؤكد عودة البعض، لكن الحقيقة أن نزوح ستة ملايين سوري طيلة هذه السنوات لم يكن طواعية، فهؤلاء اللاجئون يخشون المصير المجهول الذي ينتظرهم في سوريا، وحتما سيبذلون كل ما في وسعهم لتجنب هذا المصير، مما يعني شيئا واحدا فقط ألا وهو السفر إلى أوروبا.
هذا الخطر السياسي هو السبب في أن يظل أمل الملايين من اللاجئين مجمدا ومنسيا طوال تلك السنوات، إن أحد أسباب موافقة دول الشرق الأوسط أخيرا على التطبيع مع الأسد هو ببساطة التكاليف الباهظة للتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، وهذا ما أثبتته أحداث زلازل فبراير، فمثلما توجد أحداث سياسية غير متوقعة، هناك أيضا “أقدار الله” التي لا يتوقعها أحد، وكلما استمرت قضية السوريين في طي النسيان، كلما زادت احتمالية حدوث أمور أخرى لعرقلة هذه الخطوات وبدء حركات شعبية أخرى، وها قد جاء ذلك اليوم.
فيصل اليافعي
كاتب ومحلل سياسي