"واو الإعجاب"

بقلم حكيم مرزوقي آب/أغسطس 22, 2023 79

"واو الإعجاب"


أسوأ ما يصيب الإنسان هو فقدان الدهشة، فلنعمل جاهدين على الإدهاش والاندهاش، ولنشاهد الشمس كل صباح وكأنما نشاهدها لأول مرة.

العمر ممل دون "واو الإعجاب"
الشغف بألعاب الخفة وفنون السحر بدأ معي منذ الطفولة.. ربما هي تلك الرغبة الدفينة في الإدهاش وقطف نظرات الإعجاب من عيون الفتيات.

وما لبث هذا الوله أن تلاشى مع الأيام، وعوضته هموم أخرى، لعل أبرزها السعي للاختفاء بين حشود الناس وعدم الرغبة في إثارة أي انتباه.. وحتى هذا صار أمرا صعبا، ذلك أن فضول الناس ظل يلاحقني بالإعجاب أو بالاستياء على حد سواء.

يتوقف الآن نظري أمام صور وأوراق قديمة ثم أسأل: أين من عيني ذياك البريق؟

أجد الإجابة في تلك الكلمات التي كتبتها يوما لامرأة كنت أحبها وكانت تحبني “أنت الحمامة التي تطير من قبّعتي فأندهش قبل غيرك من جمهور الحاضرين. تلحق بك نظراتي المتعبة كصقر عاشق وعجوز، وبعد أن أطارد ظلّي طويلا أحطّ على معصمك سيّدتي، أدفن رأسي تحت جناحي وأبكي قوّة بصري وضعف قلبي وبياضك الأزرق”.

نعم، فالحب وحده يصنع القدرة على السحر والإدهاش والرغبة في الاحتفاء حتى بهزائمنا، فها أنا ذا الساحر الذي يكشف الناس بساطة ألعابه فيرشقونه بالشتائم والبيض الفاسد والنمائم، أمّا أنت فتنظرين إليّ، تمسحين على رأسي بعد أن ينفضّوا من حولي وتقولين: كم أنت ساحر في قدرتك على الهزائم وعدم الانقراض.

أين أصابعي التي كانت تصل الحلقات المعدنيّة وتفصلها، تربط المحارم الملوّنة وتخرجها من كمّ سترتي؟

أين النيران التي كنت أنفخها في ليل المدينة كتنّين يغرق؟ أين عصاي التي ألمس بها الوجع فأحوّله إلى نكتة والمسافات فأحوّلها إلى مجرّد خريطة وبلادي البعيدة فتستحيل إلى رائحة؟

“الورقة النقديّة التي كنت أستعيرها من أحد الحاضرين لأوهمهم بحرقها قد احترقت فعلا هذا اليوم، ذلك أنّ تركيزي كان ضعيفا وغيابك كان حاضرا و ثقيلا”، كانت هذه آخر جملة أكتبها في رسالتي إلى تلك السيدة قبل عصر الكتابة بالأزرار، وتبادل أيقونات الصور وعلامات الإعجاب على الإنترنت.

ما الذي تبدّل؟ إننا نحن بالتأكيد، فألعاب الخفة تبقى مجرد ألعاب خفة تستخف بعقول المشاهدين، فلا المحارم تتحول إلى حمائم ولا الجزرات تستحيل إلى أرانب، ولا من يحزنون غير المتباكين على الماضي التليد والعمر المسفوح.

أما الإصرار على الإدهاش وانتزاع دوي التصفيق وأصوات الإعجاب فحالة طفولية سرعان ما تتبدد مع التقدم في التجربة والمزيد من النضج والاكتشاف.

لكن الحياة صعبة دون دهشة، والعمر ممل دون “واو الإعجاب”. إن الأمر يصبح عندئذ، أشبه بأسطوانة مشروخة أو إعادة التفرج على شريط سينمائي انطلاقا من نهايته.

أسوأ ما يصيب الإنسان هو فقدان الدهشة، فلنعمل جاهدين على الإدهاش والاندهاش، ولنشاهد الشمس كل صباح وكأنما نشاهدها لأول مرة.

حكيم مرزوقي
كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه