أحلام وكلام

بقلم فاروق يوسف أيلول/سبتمبر 09, 2023 49

أحلام وكلام


غالبا ما لا يفرق العشاق بين ما يحدث في الأحلام وما يجري في الواقع وقد يفضل البعض أن يستمر الحلم من غير أن يكسره الواقع.

الحلم مسنمر
صنع محمد بن سيرين البصري المولود سنة 33 هجرية مساحة له على أرض الواقع من خلال الأحلام. كان الرجل فقيها بعلوم الدين غير أنه اكتشف في لحظة إلهام أن الأحلام هي جزء من عالم الغيبيات الذي صار من صناعته.

كان ابن سيرين فرويد عصره.

أكثر من ثلاثة عشر قرنا تفصل بين الإثنين غير أنهما يتشابهان في نقطة واحدة. راهن الإثنان على الأحلام كونها وسيلة للكشف عن شخصية الحالم ومستقبله.

كان ابن سيرين أكثر شمولية من فرويد الذي حصر أبحاثه في مكان ضيق. حتى اللحظة يفسر الكثيرون أحلامهم بالعودة إلى ابن سيرين، غير أن البعض يسعى إلى الخوض في عالم أحلامه مستندا إلى تجربته العاطفية كما هو حال محمد عبدالوهاب الذي يقول “رأيت خيالو في المنام/ محلاه يا وعدي/ والفكر تاه من الجمال/ زود في وجدي”، حياة هي مزيج من الفكر والعاطفة تظهر كاملة في المنام.

حياة كان عبدالحليم حافظ يؤثثها بمادتي الأحلام والكلام، إذ يقول “عايشين سنين أحلام/ دايبين في أحلى كلام/ لا عرفنا لحظة ندم/ ولا خوف من الأيام”، بالنسبة إليه، فإن ما يقوله العاشق في نومه إنما هو استمرار لما يقوله في يقظته.

كان قبلها قد غنى “بحلم بيك أنا بحلم بيك/ وبأشواقي مستنيك/ وان مسألتش فيا/ يبقى كفاية عليا/ عشت ليالي هنية أحلم بيك/ أنا بحلم بيك”، للأحلام قوة الواقع.

غالبا ما لا يفرق العشاق بين ما يحدث في الأحلام وما يجري في الواقع. وقد يفضل البعض أن يستمر الحلم من غير أن يكسره الواقع. وفي ذلك تقول أم كلثوم في أغنية تحمل عنوان حلم “حبيب قلبي وفاني في معادو/ ونول بعد ما طال بعادو”. بعكس ما ذهبت إليه المغربية ذكرى “يسيابني في حيرة ونار/ ليل ونهار بحلم بلقاك/ عذبني الشوق وتعبت/ ومش حرتاح غير وياك”، هنا لا يحل الحلم محل الواقع. فالحلم عذاب ما لم يتحقق واقعيا. كما لو أنه وعد بحياة تصنعها الأشواق. وإذا ما كان الكثيرون يفضلون أن يخفوا تفاصيل أحلامهم فإن نجاة الصغيرة تروي حلمها كما لو أنه حكاية أطفال “بحلم معاك بسفينة/ وبمينا ترسينا/ الريح تعاند والاقيك/ في عينيك وايديك/شطي واماني”. وكم كانت ميادة حناوي صريحة في اختصار المسافة بين ما تحلم به وما ترغب فيه حين قالت “أنا اللي بحلم كل ليلة بيك/ وحشني منك كل حاجة فيك”. وأخيرا كان هناك حلم عربي نسفه الواقع ولكن مؤقتا “أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا/ واللي نقولو اليوم محسوب على عمرنا”.

فاروق يوسف
كاتب عراقي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه