أكراد سوريا والفرصة الأخيرة

بقلم زيد سفوك أيلول/سبتمبر 29, 2023 97

أكراد سوريا والفرصة الأخيرة


في سوريا لم يكن هناك كفاح مسلح أو ممارسة للسياسة وفق قواعدها، كانت الحزبية الضيقة هي أقصى ما يستطيع الكرد ممارسته نتيجة الخوف من القبضة الأمنية للنظام.

الفرصة مازالت سانحة أمام أكراد سوريا
مارست الحركة الكردية في سوريا السياسة دون قواعد ثابتة ودون علم ومعرفة. وربما من الخطأ تسمية ممارسات الكرد بالسياسة، الأجدر القول “الحزبية”، لأنها أحد أهم الأسباب الرئيسية لفشلهم السياسي. كانوا ملتزمين بمقولة شهيرة تتردد دائما في النظام العسكري السوري: “الأقدم منك يوماً أعلى منك دوماً”، وكأن الأمر سباق أعمار. لم يكن هناك معيار للقيادة كما هو متعارف عليه في كل أنحاء العالم، فالقيادة عادة لمن امتلك الخبرة وفكرا متجددا وناضل وضحى، وليس لمن جلس على الكرسي لفارق الزمن وحده.

الأمر ذاته أدى إلى خلق منافسة وهمية داخلية في ما بينهم، وجعلهم أعداء بعضهم البعض؛ انشقاقات واصطفافات جانبية مشبوهة دفعتهم إلى الخلاف والإسراع “من يسبق الآخر في الطريق”، وَهم في الحقيقة خارج الطريق ولا يعلمون ذلك. العدائية كانت أداة استخدمها أعداؤهم للنيل منهم بسهولة؛ عدو الكرد يمارس السياسة باحترافية، وعن علم ودراسة وبحث وتخطيط، يعلم كيف يدير أقطاب هذه القومية في سوريا وكيف يوجههم للصراع الداخلي.

على سبيل المثال لا الحصر، في انتفاضة القامشلي عام 2004 تم اعتقال الآلاف من الكرد على الحواجز الأمنية للنظام في دمشق، وكان الاعتقال حسب الهوية، ومصدرها السجل المدني في القامشلي والمالكية وعامودا والحسكة وكوباني وعفرين، وهو ما يثبت كردية المعتقلين بالنسبة إلى النظام الحاكم. وهذا اعتراف رسمي من النظام أن للكرد أرضا وجغرافية ثابتتين في سوريا، حين يتعرف على الكرد من خلال مكان ولادتهم، بعد الاعتقال بعشرة أيام تم إطلاق سراح البعض.

◙ الشعب الكردي في سوريا يمتلك شريحة واسعة من المخلصين القادرين على التقدم إلى الأمام وإصلاح ما أفسده الدهر. الأمر من أسهل ما يكون

ويروي أحد المعتقلين أنه ذهب مع أحد الأصدقاء إلى منزل ضابط في الأجهزة الأمنية ليسلمه مبلغا من المال كان قد اتفق عليه مع والده ثمن خروجه من السجن، تفاجأ أثناء جلوسه مع الضابط والدردشة معه أن الضابط يعلم تاريخ كرد سوريا جيداً وقرأه في عدة كتب ومصادر وأبحاث وتابعه عن كثب. لقد كان الضابط يعلم عن الكرد أكثر مما يعرفون عن أنفسهم.

عدو الشعب الكردي قرأ ودرس تاريخهم وحاضرهم ويعلم كيف يتعامل مع قياداتهم الحزبية.

سقطت الانتفاضة الكردية الشعبية التي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والآلاف من المعتقلين دون الحصول على أي مكاسب قومية أو محاسبة القتلة والمجرمين.

هنا تتبين أسباب فشل الحركة الكردية في سوريا في نيل حقوق الكرد المشروعة والعادلة، وربما التنويه إلى حاضر الإخوة في إقليم كردستان العراق كتجربة سيكون مفيدا لفهم الرابط بين ممارسة السياسة وبين الصفة السياسية كمرتبة شرف أو شعار. هناك كان الشعب برمته داخل ثورة بارزاني؛ مارس الكرد الكفاح والنضال للدفاع عن وجودهم يداً بيد دون تفرقة أو صراع داخلي، كانوا متماسكين جدا إلى درجة لم يكن للاستخبارات الإقليمية تلك القوة الكافية لاختراق صفوفهم وهزيمتهم. وحين نالوا جزءا من حقوقهم القومية اتجهوا لممارسة السياسة وفق العلم والمعرفة والبحث والتخطيط. تمكنوا من بناء وطنهم رغم دخول الصراعات الداخلية إلى أروقتهم في ما بعد وإيجادها بيئة مناسبة للتوسع. إلا أن بناءهم لكيان مستقل ودستوري ظل السد أمام أي تفكك داخلي، لاسيما أيضاً الدبلوماسية الخارجية الناجحة التي جاءت من ممارستهم للسياسة وفق قواعدها كانت ولا تزال تسد من طرفها بعض الثغرات.

بينما في سوريا لم يكن هناك كفاح مسلح أو ممارسة للسياسة وفق قواعدها، كانت الحزبية الضيقة هي أقصى ما يستطيع الكرد ممارسته نتيجة الخوف من القبضة الأمنية للنظام. ولأن غالبية تلك الأحزاب مارست الماركسية كشعار مرحلة، ظل الفشل القومي يرافقهم إلى يومنا هذا. كانوا غير قادرين على التمييز بين الفكر والثقافة والقومية، ومن خلال البحث الدقيق تبين أن معظم برامج الأحزاب وأنظمتها الداخلية كانت مقتبسة من الماركسية الشيوعية.

◙ عدو الكرد يمارس السياسة باحترافية، وعن علم ودراسة وبحث وتخطيط، يعلم كيف يدير أقطاب هذه القومية في سوريا وكيف يوجههم للصراع الداخلي

وتدفعنا هذه النقطة إلى ذكر المفكر الألماني كارل ماركس، كان ذكياً جداً، استخدم علم الاجتماع للنهضة في فكره ونشره. لم تكن توجد في عهده وسائل التكنولوجيا والاتصالات والتنقل وسهولة الحصول على المعلومة لتطوير مراحل أفكاره واستقطاب المؤيدين. كانت القوة الخفية تدير تلك الأفكار وتحاول توسيع دائرتها، رسخ مفهوم الاشتراكية والرأسمالية والفصل بينهما، لكن إذا ما نظرنا إلى الدول التي غزاها الفكر الماركسي الشيوعي سنجد بأنها أصبحت رأسمالية حتى أكثر من الدول ذات الأصل.

وتثبت تلك الوقائع أن دراسة المجتمعات هي الأساس لبناء أو هدم أي فكر.

في ديسمبر 1991 سقطت الشيوعية بسلاحها العسكري والفكري من خلال تفكك الاتحاد السوفييتي، من أسقطها درس مجتمعاتها طوال عقود من الزمن، استغل الثغرات وتوسع في فتحاتها. وتوالى بعد ذلك سقوط أنظمة فكرية كثيرة وتفتت دول ونشوب صراعات سياسية ودينية ومذهبية.

كان المشهد واضحا؛ الكرد في سوريا تأثروا كثيراً وتاهوا في متاهات العلم والمعرفة للأحداث، على الأرجح لم يكن بالأمر السهل حصولهم على العلوم السياسية الذاتية لممارستها والتحرر من القيود والانطلاق نحو الحقوق القومية للشعب الكردي، وتوارثت الأجيال تلك الصفات ومازال الكرد مشتتين وأعداء لأنفسهم، يصارعون بعضهم البعض تاركين مغتصبي حقوق الشعب يتلاعبون بمصيرهم بأريحية مطلقة.

بالتأكيد لا يمكن القول إن الأمر انتهى أو هو شبه مستحيل، على العكس تماما الفرصة الأخيرة مازالت سانحة لتحقيق توازنات على الأرض وتوجيه البوصلة باتجاهها الصحيح من خلال الفعل والعمل بإتقان وحرفيه مهنية للسياسة. يمتلك الشعب الكردي في سوريا شريحة واسعة من المخلصين القادرين على التقدم إلى الأمام وإصلاح ما أفسده الدهر. الأمر من أسهل ما يكون؛ التوقف عن محاربة بعضهم البعض وحده كاف لفسح المجال للأوفياء للتقدم نحو الأمام ومواجهة الأقوياء على طاولة المفاوضات لنيل حقوق الكرد.

زيد سفوك

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه