الكاتب والباحث السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي
نائب رئيس تحرير صحيفة العروبة اليوم
أكبر سجن في العالم يضم أكثر من مليونين نزيل، غزة في التاريخ أقدم من مملكة النبي سليمان بن داوود، والحديث عن غزة يطول. يوم 7 أكتوبر 2023 سيسجله التاريخ يوم النكبة الكبرى على إسرائيل، حيث تعجز العبارة عن وصف الشجاعة والبطولة عن العملية النوعية التي نفذتها كتائب عز الدين القسام وأخواتها من فصائل الجهاد في غزة والنتائج التي تحققت جراء العملية. وبعد عشرة أيام لا يزال العالم يحبس انفاسه ويصمت ازاء هول هذا الحدث الكبير وما سيكون بعده، حدث يعيد لذاكرة العالم أحداث سبقته بنفس حجم تأثيره وتداعياته مثل انهيار جدار برلين أو ضرب البرجين في 11 سبتمبر 2001 وحتى منظر الرعب في مطار كابول افغانستان الذي جسّد هزيمة الولايات المتحدة الامريكية والناتو بعد عشرين سنة من الاحتلال. انها سلسلة هزائم متتالية وقاتلة ولن تتوقف عند حدود غزة. هنا نحن نتوقف إذ لا يمكننا الحديث عن اسرائيل بمعزل عن الغرب الذي زرعها لتمثل صورته النموذجية في الشرق الأوسط، ولا يمكن بأي حال أن تُطوى صفحة غزة من خلال عملية عسكرية تجهزها اسرائيل بمشاركة أمريكية وغربية مباشرة حتى لو تم تدمير غزة وسحقها كليّا، ولا يمكن كذلك ترميم مهابة الاسطورة العسكرية التي تم صنعها لتكون قلعة مواجهة حصينة في قلب الشرق الأوسط، اسرائيل هُزمت والأسطورة تحطمت يوم حدث زلزال غزة في 7 أكتوبر . لكن ماذا بعد؟
ماهي الهزات والتداعيات التي ستعقب الزلزال في منطقة متداعية اساسا وهشة جدا؟
لا أحد يمكنه تخيّل رعب السيناريوهات المحتملة لكي يمارس هواية التحليل والقراءة ثم يتبرّم أو يتبجح إعلاميّا ليحقق سبق في تصوّر الرعب القادم. عالمنا المتقارب جدا الى مستوى التلاصق والتداخل اقتصاديا وبولوتيكيّا لن يقف متفرجا أمام كرة النار التي سوف تتدحرج لتحرق الأخضر واليابس. لاسيما كنا نسمع بين فترة وأخرى قيام اسرائيل بمناورات عسكرية تحاكي خوض الحرب على جبهات متعددة، ونسمع كذلك بأن قوة اسرائيل توازي أو تتفوق على جميع جيوش المنطقة مجتمعة، ونسمع و نسمع الكثير من حكايات الأساطير عن خوارق شمشون الذي يجسّد شخصيّة الجندي الاسرائيلي والقبة الحديدية المباركة التي أقنعوا المغفلين من مستوطني اليهود بأنها ستحمي شعب الله المختار حتى من النيازك والشياطين. و يا للعار لقد سقط اللثام عن أكبر بروبوغندا في تاريخ التهويل الإعلامي وتسويق أوهام القوّة، إسرائيل تستجدي الغرب كله في الساعات الاولى من هجوم رجال غزة يا للهول. ملائكة تهبط على رؤوسهم من السماء وهي تحمل بنادق خفيفة وماهرة في القنص، ثم تبدأ عملية اختراق جدار السجن المجهز بأعقد اجهزة الانذار المُبكر ولا تعلم بذلك استخبارات الكيان الصهيوني. والأدهى من ذلك كله تقدم عشرات المقاتلين في غضون ساعات قليلة ليحتلوا اكثر من عشرة مستوطنات في محيط غزة وعلى مساحة تساوي ضعف مساحة غزة نفسها. سقطت فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية وفشلت القبة الحديدية في وقف مئات الصواريخ القسامية التي ضربت مدن اسرائيل اثناء العملية وحتى الآن اثناء كتابة هذا المقال.
أكثر من عشرة ايام مضت على اكبر عملية بطولية في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ولا تزال اسرائيل تعجز عن احتواء قدرات المقاومة ووقف ضرباتها أو عمليات التسلل والقتال في مستوطنات محيط غزة. أكثر من 200 أسير ورهينة بينهم جنرالات وضباط كبار في جيش اسرائيل، أكثر من الف قتيل اسرائيلي حسب اعتراف الحكومة الصهيونية نفسها، انهيار كبير في معنويات الجيش والشعب، فشل استخباري، تخبط سياسي وردود افعال غير متوازنة تدل على الضعف والانهيار والهزيمة. أمريكا ودول أوربية ترسل اساطيلها وبوارجها العسكرية لنجدة اسرائيل وحمايتها وماذا بعد؟
ما هو السيناريو القادم الذي يتم تجهيزه لوقف الانهيار المعنوي والسياسي وحتى الايديولوجي الذي يرسّخ وجود وقيام دولة اسمها اسرائيل في قلب الشرق الأوسط.
لقد تأسست دولة اسرائيل في اعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة في 14 مايو سنة 1948، ثم خاضت حروب متعددة لتثبيت وجودها وتوسعها، وهي اليوم أمام اختبار عسير لكي تثبت بقائها وقدرتها على المواجهة والديمومة في خضمّ مرحلة تاريخيّة مشحونة بعواصف وزلازل التغيرات على المستوى الاقليمي والدولي. الذي يمكننا قوله بلا تحفظ ان اجتياح غزة وتدميرها وفق أي سيناريو سيكلف اسرائيل زيادة في هزيمتها سياسيا وأخلاقيا على المستوى الدولي والاقليمي ولن تستعيد توازنها حتى على مستوى المعنويات والكرامة الانسانية.
كلمة أخيرة نقولها للتاريخ لا يمكن لإسرائيل أن تحقق الأمن لمستوطنيها مالم يتحقق الأمن للشعب العربي الفلسطيني .