"بيع الجمل يا علي"

بقلم حكيم مرزوقي تشرين2/نوفمبر 07, 2023 53

"بيع الجمل يا علي"


ما أوجع وأمر أن يخذلك حبيب تتأنق لأجله وتختار له أسمك المعاطف والجوارب والقبعات وتتبادل معه الأنخاب على أعذب الأنغام الممزوجة مع صوت المطر.

الرومانسية ولدت وترعرعت وازدهرت في الشتاء
جهزنا كل شيء لاستقبال الشتاء لكنه أخلف الوعد ولم يأت.

بسطنا له السجاد الدافئ السميك، أخرجنا الأغطية والمعاطف من كافورها، مسحنا المدافئ من غبارها، وأحضرنا لها حتى ما طاب من الكستناء لشيها فوق نارها، لكنه فعلها ولم يكن على الموعد.

ما أقسى انتظارك أيها الشتاء. الأمطار احتبست وجفت في حلق السماء، حبات الزيتون صارت مجعدة مثل الزبيب، تيبست في أغصانها وقد حان وقت قطافها.

أين من ذكراك تلك الأيام الخوالي، حين كان يدفئنا زمهريرك فنتحلّق حول نارك وتطير بنا الحكايات.

ما أوجع وأمر أن يخذلك حبيب تتأنق لأجله وتختار له أسمك المعاطف والجوارب والقبعات وتتبادل معه الأنخاب على أعذب الأنغام الممزوجة مع صوت المطر.

الرومانسية ولدت وترعرعت وازدهرت في الشتاء، والأرض لا تقترب ولا تتحاور ولا تلتحم مع السماء إلا وقت الشتاء.

حتى قسوتك كانت عذبة يا فصل السيول والعواصف والأعاصير ويا من لا يرأف بالفقراء، لكنك تجعلنا نتدبر أمرك ونستقوي عليك بكل ما يقع بين أيدينا من ملبس ومسكن وشراب وطعام.

الشتاء يجعل معظم عناصر الطبيعة جذابة، عزيزة على قلوبنا ومشتهاة، كالشمس والنار والبحر.. حتى البحر الذي نجاوره ونحاوره برؤوس باردة وقلوب دافئة.

غيابك أيها الشتاء جعل الشمس مملة كالتعري اليومي، وزاد من اشتياقنا للبخار الذي يرافق حديثنا ويزيده دفئا وحرارة وجاذبية.

كنا صغارا نتسابق إلى ولوج برك الماء بجزمات الكاوتشوك، ونتحدى البرد بالقفازات، ونحسد الطهاة على سخونة المطابخ وأبخرة الأطباق.

هل سنحدث الأحفاد يوما عن فصل كان اسمه “الشتاء”، وهل ستحتار الأجيال القادمة في تحديد وظائف المعاطف والقفازات وواقيات المطر التي سوف تباع في محلات الأنتيكا؟

فعالرومانسية ولدت وترعرعت وازدهرت في الشتاءلها بنا الشتاء هذا العام مرة أخرى، ولم يأت في خضم هذه “الخربطة” في عيارات الطبيعة التي فقدت رشدها.

وبناء على ذلك، سوف يكثر عدد المصطافين في شهر ديسمبر، وتظل الشمسيات مفتوحة على الشواطئ إلى أن يأتي بابا نويل وهو يرتدي الشورت، يتسلل إلى البيوت عبر المكيفات التي تنفث هواء باردا، ويهدي الأطفال المثلجات وعبوات العصير البارد.

سوف يحيي العشاق السان فالنتاين على شواطئ البحر،

ويستبدلون اللون الأحمر الحار بلون بارد فيتهادون بالمناسبة أزهار الفل والياسمين والقرنفل الأبيض.. ويتجنبون النبيذ الأحمر.

سوف يرقص الجميع على إيقاعات أفريقية ساخنة وهم عراة الصدور، ولن تعود لقصيدة بدر شاكر السياب “مطر مطر” أي جاذبية بل قد لا يفهمها أحد، إذا ما أوغل الشتاء في الغياب.

أما الماء فستمسي الزجاجة من أثمن الهدايا التي يمنحها حبيب لمحبوبه، وسنحرف أغنية سميرة توفيق الشهيرة لتصبح “بيع الجمل يا علي واشتري ماء إيلي”.

حكيم مرزوقي
كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه