أكاديمية لتعلم فن الخداع
العالم لا ينظر نظرة احتقار لمن يمارس الخداع في الحروب، بل يتفق الجميع على أن الخديعة فعل أخلاقي مبرر لكسب المعركة.
حصان طروادة من أشهر قصص الخداع في تاريخ الحروب
تزايد الحديث مؤخرا عن التضليل الإعلامي في الحروب مع انتشار الذكاء الاصطناعي واستخدامه في إعداد مشاهد فيديو مزورة يصعب التفريق بينها وبين ما هو حقيقي وما هو مزيف.
لا شك أن التكنولوجيا الذكية الحديثة وانتشار روبوتات الدردشة سهّلا من ممارسة التضليل خاصة الإعلامي في الحروب. ولكن التضليل والخداع يبقيان صناعة قديمة مارسها محترفون عرفوا بالدهاء منذ أن نشبت الحروب بين البشر. وقد تكون قصة حصان طروادة من أشهر قصص الخداع في تاريخ الحروب.
بعد أن يئس مقاتلون يونانيون من اقتحام مدينة طروادة رغم حصارها على مدى أعوام، قاموا بتشييد حصان خشبي ضخم عملا بنصيحة القائد العسكري الأسطوري أوديسيوس الذي عرف عنه الدهاء، ووضعوا داخل الحصان مجموعة من المحاربين الأشداء اختاروهم بعناية، ثم هجروه على شاطئ طروادة وانسحبوا متظاهرين بالهزيمة.
فتح الطرواديون بوابات مدينتهم وجروا الحصان إلى داخلها، اعتقادا منهم أن الحصان هدية من الآلهة. في الليل، خرج الجنود من الحصان وفتحوا البوابات لبقية المقاتلين، الذين دخلوا المدينة وحرقوها ونهبوها.
لا ينظر العالم نظرة احتقار لمن يمارس الخداع في الحروب، بل يتفق الجميع على أن الخديعة فعل أخلاقي مبرر لكسب المعركة. وهو ما فعله الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، عندما استخدموا جيشا وهميا من الدبابات والطائرات المطاطية والمركبات الخشبية والراديو ومكبرات الصوت بهدف تضليل النازيين. بينما نقلوا جيشهم الحقيقي إلى غرب إنجلترا وهاجموا شواطئ النورماندي في عملية إنزال شهيرة أصبحت في ما بعد موضوعا لعدد من الأفلام.
يمكن ذكر خدع أخرى كثيرة استعان بها البشر في معاركهم على الجبهات وفي حياتهم اليومية. قالوا لنا يوما إن "الحرب خدعة". ولكن للأسف، عندما أردنا أن نخدع عدونا ونضلله في حرب حزيران - يونيو عام 1967 خدعنا أنفسنا.
كنت حينها في عمر يسمح لي بتذكر التفاصيل واسترجاع المشهد بوضوح؛ كانت الإذاعات العربية الرسمية تعلن إسقاط أسراب الطائرات الإسرائيلية الحربية تباعا وبالعشرات، حتى خلناها أسراب عصافير. لنكتشف لاحقا أن طائرات الدول العربية هي ما تحطم قبل أن تقلع عن الأرض.
فهمنا، حكاما وشعوبا، الخداع والتضليل الإعلامي بشكل خاطئ، ومارسناه لنسيء به لأنفسنا.. وكان العدو في كل مرة يساهم في تضخيم أكاذيبنا، ليستخدمها لاحقا ضدنا. وهذا ما حدث في أكثر من مناسبة.
العرب قالوا يوما: تمسكن حتى تتمكن. وهو مثل شعبي يدعونا إلى تبني الحيلة والمكر في الحياة وفي الحرب. سمعنا النصيحة وعملنا بعكسها تماما، وادعينا امتلاك قوة ليست لنا. قد تكون نصيحة معاوية بن أبي سفيان لابنه "يا بني إذا خدعك الناس فانخدعت لهم خدعتهم" من أبلغ ما قيل، ليس فقط في فن الخداع خلال الحروب والصراعات، بل في العمل الدبلوماسي عموما.
من هنا جاء تعريف بعضهم للسياسة بأنها “فن الكذب والخداع".
لماذا إذا لا يقترح أحدهم على جامعة الدول العربية إقامة أكاديمية لتعليم فن الخداع والتضليل، لقد احتجنا إلى مثلها في الماضي، ولم نجده. وحاجتنا إليها مستقبلا ستزداد في عصر يسيطر فيه الذكاء الاصطناعي والتضليل الإعلامي على حياتنا.
علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس