تقديس الصهيونية في فرنسا

بقلم الكاتب عبدالله البقالي تشرين2/نوفمبر 20, 2023 51

تقديس الصهيونية في فرنسا

الكاتب عبدالله البقالي

انتبهوا جيدا، فهذه المرة لا يتعلق الأمر بتجريم معاداة السامية الذي كمم الأفواه وقدس واقعة تاريخية واحدة، تبقى في جميع الحالات، متباينة بين المصادر التاريخية، بل يتعلق الأمر بتجريم ( معاداة الصهيونية ) التي يجمع العالم على اعتبارها حركة عنصرية. في هذا السياق قدم 15 من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي المنتمين إلى حزب الجمهوريين اليميني، بتاريخ العاشر من شهر أكتوبر الماضي (أي بعد ثلاثة أيام من عملية طوفان الأقصى) مقترحا قانون باسم (استكمال القانون الجنائي لمعاقبة معاداة الصهيونية)، تماما كما هو عليه الأمر بالنسبة إلى معاداة السامية في فرنسا. وهكذا يقترح هذا القانون معاقبة كل من يشكك في وجود دولة اسمها إسرائيل ، بالسجن لمدة سنة كاملة وغرامة مالية بقيمة 45 ألف أورو ( حوالي 46 ألف دولار ). أما إذا وصل الأمر إلى حد ( إثارة الشك بشكلٍ مباشر في الكراهية أو العنف تجاه إسرائيل ) فإن العقوبة ستتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات سجنا نافذا ، وغرامة مالية تتراوح ما بين 75 ألف و 100 ألف أورو .وتبعا لذلك فإن مجرد التلميح إلى ما يفهم منه إساءة إلى الحركة الصهيونية أو دولة إسرائيل سيصبح مكلفا جدا .
لأول مرة في تاريخ التشريع في العالم نسمع بمؤسسة تشريعية لدولة ما تشرع قوانين تهم مصالح دولة أخرى. ولأول مرة يقدم برلمان دولة على سن قوانين ليحمي دولة أخرى، فالذي نعرفه ونعلمه يقتصر على وجود قوانين و اتفاقيات دولية تحمي فئات معينة من الديبلوماسيين والأطفال القاصرين و ذوي الإعاقة، لكن ما من أحد فكر في تاريخ التشريع العالمي في سن قوانين تقدس حركة عنصرية، وتحمي دولة أخرى أجنبية لم تنتخب المؤسسة التي تفضلت وتطوعت بالتشريع لفائدتها .
وربما قد يتعلق الأمر بسابقة جديدة في تاريخ التشريع العالمي، ولن يكون غريبا بعد اليوم أن تتسابق برلمانات كثيرة في العالم نحو التشريع لحماية مصالح دول أخرى، وهكذا قد تصبح كثيرا من دول العالم محمية بتشريعات أجنبية محضة .
الأمر لن يكون بالسهولة التي يروج لها البعض، وأن الطبقة السياسية والحقوقية الفرنسية ستخضع للأمر الواقع وتنحني إلى أن تمر العاصفة، وينجح الاحتلال الإسرائيلي في احتلال فرنسا المعقل التاريخي للحرية والمساواة ونبذ العنصرية و الكراهية، بل الأكيد أن مجرد شروع مجلس الشيوخ في مناقشة هذا المقترح، إن حظي بالقبول، سيحدث هزة عنيفة جدا قد تهدد استقرار و أمن فرنسا نفسها .
لم يتوقف الخضوع إلى السلطة الصهيونية عند هذا الحد في فرنسا، بل اجتهدت كثير من الأوساط الفرنسية في إبداع أشكال وصيغ الذل والاحتقار للشعب الفرنسي، إذ لم يقتصر الأمر على ما سبق، بل تأكدت فضيحة ورطة الغالبية الساحقة من الإعلام الفرنسي مع الاحتلال الإسرائيلي و قوى الشر المتحالفة معه، بل وصل الأمر ذلك إلى مستوى تنظيم مسيرة يوم الأحد الماضي، قال منظموها إن عدد المشاركين فيها وصل إلى 180 الف. بينما قدرت أوساط محايدة عددهم في أقل من 50 ألف، وكان موضوعها دعم كامل للمجزرة التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني بصفة مقنعة حيث اختاروا لها شعار ( يهود فرنسا، لستم وحدكم ) و هو شعار تمييزي عنصري لأنه يستعدي باقي الديانات الموجودة في فرنسا خصوصا المسيحية و الإسلام .
المثير بالنسبة لهذه المسيرة العجيبة التي تدعم ديانة وتحرض ضد ديانات أخرى، يتمثل في أمرين يكشفان السلوك المرضي لجزء كبير من الطبقة السياسية الفرنسية. أولهما أن وزارة الداخلية الفرنسية أصدرت قرارا يقضي بمنع المسيرات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، بدعوى التحريض على الكراهية، وتواطؤ جزء كبير من هذه الطبقة بالصمت والمساندة، وها هي ترخص لمسيرة تحرض فعلا على الكراهية ويشارك فيها وزراء من نفس الحكومة التي منعت مسيرات أخرى. وثانيهما يتمثل في أن الداعين إلى تنظيم هذه المسيرة ليس إلا رئيسا غرفتي البرلمان الفرنسي. وهكذا نسمع لأول مرة أن رئيسا مؤسستين تشريعيين غيرا مهمتهما من إدارة أعمال التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية إلى تنظيم لفعالية تحرض على الكراهية والتمييز بين الأديان.
هذه هي فرنسا الحديثة والمعاصرة التي استباحت قيم ومبادئ الجمهورية الفرنسية التي تمخضت عن إحدى أهم الثورات في العالم بأسره.

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه