أطواق المدن وفضاءاتها

أطواق المدن وفضاءاتها
 صباح ناهي
للمدن في التخطيط الحضري والإقليمي نطاقات وحافات تقوم عليها الحواضر وتدور المباني والفعاليات وتُشيّد البيوت والأسواق والمباني الحكومية ودور العبادة والساحات العامة والملاعب الرياضية والمراكز الترفيهية، وغالبا ما تكون مقار البلديات في مركز المدينة وكذلك المراكز الترفيهية والأسواق التجارية.
ولكل مدينة تقام تأريخ ومسوغ ومبررات لتشييدها في مقدمتها الضرورة التي فرضتها والعقل المخطط الذي اختارها والإرادة التي كانت وراءها، وتتوزع المسوغات لإنشاء المدن على سلسلة طويلة من الضرورات والمقومات من أهمها:
أن تكون واقعة على مصدر للمياه كمدن حوض دجلة والفرات والنيل وبردى، وأخرى تقام على حافات البحار والمحيطات والخلجان كمدن المغرب العربي المشاطئة للبحر ومدن الخليج العربي، فللمياه الحصة الأكبر في العالم تحادّه المدن وتنهل من عطائه، وهناك مدن أقيمت على مراكز ورموز دينية، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، التي يأتيها الناس من كل حدب وصوب، وأخرى تقام على طرق المواصلات والشوارع الموصلة بين مدينة وأخرى دعت الضرورة إلى قيامها، وثمة مدن قامت على المواقع الأثرية، كبابل والحضر وسومر والوركاء والأهرامات ومدن أخرى قامت كمراكز تجارية وهي كثيرة، هذه وسواها كانت وراء بروز المدن وسكن الناس وديمومتها واستمدت من كل تلك المسوغات والشواغل آنفة الذكر.
المهم أن العالم تخطى عقدة تمركز المدينة على مبرر تاريخي لقيامها وراح ينوّع في خلق أو ابتكار مراكز أخرى لا تقل أهمية عن المدينة القديمة الأساس، مستفيدا من العلوم والتخصصات الحديثة في توزيع السكان والشواغل على العديد من نطاقات الحافات حول المركز الرئيس، ويخطط معماريوها وخبراؤها لنقل الفعاليات وتوزيعها على أكثر من مسافة وأمكنة لكنهم ظلوا أمناء لخلق توافق بين القديم والجديد، وكأن المدينة “لضمت” كخيط المسبحة على النقيض من الكثير من مدننا العربية التي تناثرت أحياؤها وتنافرت معالمها وفقدت التوزيع الهرموني المتناغم لعمائرها وكأنك في مدن شتى بمسمّى واحد.
يعود ذلك إلى أسباب كثيرة من دون شك أهمها عدم احترام التصميم الأساس للمدن نفسها، وتناقض العقول التي تتعاقب على الأنظمة المختلفة التي تتداول السلطة التي في الغالب تتخطى القوانين والتصميم الأساس ولا تكترث لنظرة المعماريين وقوانين البلديات تحت مبرّر الظرف السياسي والاجتماعي الضاغط والقاهر أحيانا مثل بروز ظاهرة العشوائيات في حواضر عربية تاريخية كالقاهرة وبغداد ودمشق والكوفة، والذي أحدث تخريبا للتصميم الأساس كما حصل لمدينة بغداد بعيْد الاحتلال وإلغاء مساحاتها وفضاءاتها خير دليل على فوضى المدن العربية.




باهر/12

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه