سيف الدين الدوري
منذ تموز 1958 الذين تسللت الى اجهزة الاعلام عناصر طفيلية اخذت تكيل المديح للحاكم وتهاجم معارضيه . هؤلاء الذين اصفهم بادعياء الثقافة هم الذين يورطون الحكام ويدفعونهم الى مزيد من الاخطاء والجرائم حتى يلقوا حتفهم ويسحبون هم انفسهم كالخيط من العجينة.
المعروف ان الفئة المثقفة الواعية والناقدة في كل الدول المتقدمة والمتحضرة تعتبر قيمة لا تقدر بثمن إن هي أدت واجباتها تجاه مجتمعها وخاصة في فترة إشتداد الازمات عندما تناقشها وتفسرها تفسيراً موضوعياً بعيداً عن رغبة السلطة والحاكم لانها إن تصرفت عكس ذلك تكون قد إرتكبت خيانة كبرى لنفسها ولمجتمعها لانها قد تغاضت عن الاخطاء بل وعن الجرائم الانسانية وبررتها فكرية وتاريخية متعصبة
ونحن في العراق شهدنا منذ قيام الجمهورية العراقية عام 1958 العديد من أدعياء الثقافة الذين تسللوا الى مواقع الواجهة الثقافية والاعلامية فإنغمسوا في أعماق السلطة الدكتاتورية وقدموا من خلال نتاجاتهم الثقافية المديح للحاكم الطاغية المتسلط متخلفين عن نداء الفكر والمبادىء فناصروا في العلن ما رفضوه في السر وفي دواخل انفسهم فزينوا الاخطاء للحاكم وضللوا الجماهير وصوروا الهزائم إنتصارات والمصائب محاسن وحولوا الحاكم الى صنم يعبد وزعيم ملهم وبهذا فقد حجبت اكاذيب هؤلاء الحقائق عن الجماهير التي عاشت في الاوهام والغشاوة فوق عيونها فأصبح هؤلاء طبقة عازلة بين الحاكم والجماهير فهم ادنى من الحاكم واعلى من الجماهير من خلال جيوبهم التي إمتلأت بالدولارات وفي بيوتهم كل ما لذّ وطاب . فقد صبغت هذه الفئة وجه العراق المشرق فحولته الى سجن كبير بفضل هذه العناصر التي لا همّ لها إلا مليء بطونها ولا عمل لها الا حرق البخور للحاكم والاشادة بعبقريته بعد أن إغتالت الامل في نفوس الجماهير وبعد أن أصبحت المناصب في حياة هؤلاء مجرد مغانم والبحث عن الشهرة لكي تترد أسماءهم في الصحف ومحطات الاذاعات والتلفزيونات محاولين إضفاء الثقافة والبطولات الزائفة والامجاد الباطلة على انفسهم فأشاعت الخراب في البلاد وشجعت النفاق في كل موقع ونشرت الجهل والتخلف.
منذ اكثر من خمسين عاماً وحتى يومنا هذا وخاصة عقب الاحتلال الامريكي للعراق سيطرت هذه الفئة من أدعياء الثقافة وهم الاقلية وأصبح لديهم مبدأ وشرط لتكوين دولة( حديثة) قوية من خلال القمع الذي تمارسه الدولة ، قمع ثقافي وفكري كشرط لتكوين ثقافة أحادية طائفية لاتنفذ اليها التيارات الديمقراطية والتعددية بل وحتى الاصلاحية بالاعتماد على فئة تدعي الثقافة من الذين أمسكوا بزمام الاجهزة الاعلامية فأخذ هؤلاء ادعياء الثقافة يمارسون عملية عنف متجددة وموجهة ضد الجماهير التي اخذت تشعر بالغربة في وطنها أو داخل مجتمعها ، هذه الفئة الطائفية الضيقة أصبحت هي المقيمة لكل شيء وخاصة العنف العصري المبرمج والارهاب الفكري المتعدد فأصبح كل شيء يجد جوابه المختصر لدى هؤلاء الذين أصبحوا المحتكرين لكل وسائل الحياة معتمدين على سياساتهم الطائفية او طائفيتهم السياسية على المراوغة والمناورة بعد أن تسللوا الى اجهزة الاعلام وسيطروا عليها فأصبحت تعبّر عن طبيعة وحقيقة السلطة او الحاكم المتسلط الذ ي يقمع عبر هؤلاء الادعياء فاصيب المجتمع العراقي منذ اكثر من خمسين عاماً بسببهم بجرح ما يزال ينزف حتى يومنا هذا
كان الحكام يستعينون بأمثال هؤلاء من ادعياء الثقافة ويختاروهم من نوعية خاصة تدافع عن انظمتهم ومؤسساتهم السياسية وتغطي ممارساتهم القمعية التسلطية فأخذوا يعملون على مصادرة آراء ومواقف الاخرين المعارضين لسياسة الدولة وأصبحوا بذلك يمثلون الوجه الثاني لمؤسسة السلطة القمعية والعنفية بل والمدافعين عنها بل ومدحها. فعانت الصحافة والصحفيين بسببهم أكثر مما عاناه أي جهاز عراقي آخر في الوقت الذي كان العديد من المثقفين والصحفيين الهرب الى الخارج او الهرب داخل انفسهم على أن يكون أداة طيعة بيد السلطة القمعية ولم ينزلقوا الى الردح والتعصب الاعمى او التعصب للسلطة.
ادعياء الثقافة هؤلاء أصبح العنف الصادر عنهم أكبر وأكثر إيلاماً للجماهير بسبب دورهم المزدوج اي دور الضحية