سالي المبارك 

 

عقاربُ الساعةِ تشيُر الى الثانيةِ عشَر منتصف الليل برودةٌ وقشعريرةٌ تهزُّ كلَ أنحاءِ جسدي مصحوبةٌ بحرارةٍ مرتفعةٍ ومُعلنة عن أستيقاظِ وحشٍ كامنٍ داخلي .

الساعةُ الثالثةُ صباحاً الوحشُ أستيقظ تماماً وهو في حالةِ جوعٍ وهياجٍ شديدين يريد ألتهام كل شي أمامه ،ألألامُ قاتلةٌ لاتوصف فقد بدأ بتمزيق أحشائي بأنيابهِ هذه الآلام لم تردعها كل المُسكنات التي أخذتُها حاولت تحمل الألم لِساعة لعلَ تلك المسكنات تأتي بنتيجة لكن دونَّ جدوى فلم يبقَ خيار غير الاتصال بالإسعاف ومحاولة أنقاذي .

كل من في البيت في حالةِ فزعٍ وهم يسمعون صرخات أستغاثتي حتى كلبي تيدي يجلس عند باب غرفتي ويصدر صوت بُكَاء ليقول لي أنَّهُ يشعر بي ويبكي لِألمي .

بعدَ عشرِ دقائق وصلت الإسعاف ودخل رجل وأمراة مُسرعين نحوي أول شي تَحرَّى عنه هو درجة حرارتي فوجدوها قد وصلت الى تسع وثلاثين درجة ثم تلتها أسئلةٍ سريعة ليتفهموا أسباب حالتي حَملاني مُسرعين الى سيارةِ الإسعاف وأنا في حالة من الأغماء والغثيان مصحوبة بِألألامِ الشديدة التي تعصف بِكُل جسدي المنهك أما زوجي فقد لحق بالأسعاف بسيارتهِ وهو في حالةِ رعبٍ وقلقٍ على حبيبته وشريكة حياته ،وأبنتي ترافقني تمسك يدي بيدها وتضع يدها الأخرى على جبيني و تتلوا بعض أيات القران الكريم لعلها تُخفف من الآمي .

وبعد وصولي الى أقرب مستشفى من بيتي وهي تشيلسي ويست منستر تم البدء بِعمل التحاليل والأشعة ليكتشفوا سبب ما أنا فيه فتبين لديهم أنَّ وحش الالتهاب قد أنتشر في بطني بطريقة مُفزعة وهو في حالة هياج شديد وعلى الفورِ تم أعطائي المضادات الحيوية لمحاولة وقف هذا الهجوم مع مُسكنات للألام .

ولكن من الذي أيقظ هذا الوحش داخلي وجعله يهاجمني بِتلك الطريقة المميتة ؟

حدث كل هذا بسبب خطأ طبي فقد أجريتُ قبل يوم في أحدى مستشفيات لندن عملية أزالة كيس على الميض وتعتبر تلك العملية من العملياتِ السهلة والمألوفة ولكن بما أنَّ اَي عملية تستوجب بعض الأجراءت المعينة مثل عمل أشعة وسونار للتحري أذا كان هنالك اَي التهاب قبل أجراء العملية وأيضاً أعطاء المضادات الحيوية للمريض بعد العملية خوفاً من حدوثِ اَي مضاعفات التهاب ولكن من سوء حظي تلك الاجراءت لم تحدث بالشكل الصحيح معي فلم يُجري لي الطبيب غير تحليل للدم قبل يوم من العملية وايضاً لم يعطيني اَي مضادات حيوية بعد العملية وخرجتُ من المستشفى في نفس اليوم .

في مستشفى تشيلسي ويست منستر يواصل طبيبي الدكتور Yami Kuponiyi الذي أرسله آلله لأنقاذي أعطائي المضادات الحيوية ومُراقبة حالتي بشكل دقيق وفي صباحِ اليوم الرابع وبعد أجراء تحليل الدم الصباحي جاء نحوي مسرعاً لِيقول لي يجب أن أدخلكِ على الفور الى غرفةِ العمليات لا وقت لدينا الالتهاب وصل الى الكبد وبدأ بهجوم شرس على أعضاءِ جسمك، وفعلاً وخلال نصف ساعة تم تحضيري وأدخالي للعمليات تمكنت خلالها فقط من الأتصال بزوجي وأعلامهُ كي يحضر على الفور .

أستغرقت العملية ثلاث ساعات قام الطبيب خلالها بسحب مايمكن سحبه من الالتهاب وأنقاذ الكبد وبقية أعضاء الجسم بعدها خرجتُ من العملية وأنا في حالة أنهاك وتعب شديد جداً أخبرني الطبيب أنهُ عمل كل مافي وسعهِ وماتبقى من الالتهاب سيحاول القضاء عليه بالمضادات الحيوية .

خلال الأيام الأربعه الأولىٰ بعد العملية لم تكن نتائج تحليل الدم أيجابية لأن نسبة ماتبقى من الالتهاب لم تنخفض وكنت بأنتظار أمرين أما الموت او العودة للحياة مرة أخرى .

 

خلال أقامتي بالمستشفى وأنا على سريرِ المرض لاحول ولاقوة لي لم يكن لي ونيس غير أثنين هما هاتفي ونافذة الغرفة التي أنام فيها من خلالها أتطلع ببصري الى السماء أناجي الله وأدعوه أن يشافيني ويشافي كل مريض ثم أنظر الى الغيوم وأرى فيها وجوه كثيرة لأحبتي منهم من سكنت ارواحهم السماء ويتوسطهم وجه أمي الحبيبة والوجوه الأخرى لأحبتي الأحياء أنظر الى وجه أمي وأقول لها هل حان وقت لقائي بكِ ؟وهل ستأخذيني بحضنكِ ؟ثم أنظر الى الوجوهِ الأخرى فأرىٰ أيام جميلة أنا لستُ فيها فهاهي أبنتي بملابس الفرح وأنا أنظر لها من بعيد دون أن تراني وأرىٰ فرحة أبني بتخرجه من الجامعة من غير أن أكون معه وأقبله على جبينه أحاول أن أمسح الوجوه من الغيوم وألملم الأمي وأمسح دموعي التي أغرقت وجهي وتضرع الى الله ليرحمني ويشافيني ثم أمسك بهاتفي وأقلب صفحتي بألفيس بوك لعلي أنسى قليلاً هواجس الرعب التي أنتابتني ، فأذا بي أقرأ أجمل خبر على صفحاتِ أصدقائي وهو تحرير الموصل من دولةِ الخرافة الداعشية هذا الخبر نزل على قلبي بفرحة كبيرة وصار مُسكن لِألامي أريد أن ارجع للحياة وأحتفل بتحرير ارض بلدي . وفعلاً أستجاب الله لدعواتي فكانت بشارة الطبيب لي في الصباح بأن الخطر زال والالتهاب بدأ بالأنحسار فكان هذا بفضل من الله ودعاء الناس الطيبين لي بالشفاء وجهود طبيبي الكبيرة .

هذه التجربة المريرة التي أمتحنني الله بها جعلتني أُدرك قيمة الحياة والوقت وعلمتني أن محبة الناس كنز من الكنوزِ التي لابد من الحرص على أقتناه فلولا رحمة الله ودعاء الناس الذين أحبهم ويحبوني لما تجاوزتُ محنة الموت التي عشتها فتحية محبة وسلام لكل الناس الطيبين الذين وقفوا الى جانبي في محنتي عافاكم الله وكفاكم كل مكروه .

 

 

 

قيم الموضوع
(0 أصوات)
آخر تعديل على الجمعة, 03 تشرين2/نوفمبر 2017 15:35
سالي المبارك

كاتبة عراقية

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه