يمينة حمدي
يتكرر مشهد صادم أمامي، لكنه قد يبدو طبيعيا لفئات كثيرة من المجتمع البريطاني وربما وصلت ملامحه إلى مجتمعاتنا العربية، فتيان وفتيات يثقلون ألسنتهم وشفاههم وجفونهم… لتعليق حلي فضية أو ذهبية، في دوافع تزينية ملتبسة وغير مفهومة، إلا من أجل الرغبة في الظهور بوضع مختلف أمام الناس.
أقول دوافع ملتبسة لأنني لا أجد لها تفسيرا سوى الإضرار بالجسد والاستمتاع بتعذيبه بطريقة مازوشية تذكّرنا بطقوس القبائل البدائية في أفريقيا التي كانت تمارس مثل هذه الطرق في تزيين الجسد لإبعاد الشياطين وجلب الحظ!
بينما المراهقون والمراهقات في مجتمعنا المعاصر لا يبغون من هذا التزيين وتعليق الحلي في مناطق حساسة ورقيقة من الجسد سوى الظهور بمظهر ملفت للانتباه وإن كان ذلك يضرّ بأجسادهم، وهو تصرّف غير مسؤول وبحاجة الى نصح أسري وتوعية اجتماعية.
وسبق وأن حذرت دراسة أميركية حديثة من أن الأشخاص الذين يثقبون ألسنتهم أو شفاههم لأغراض تجميلية يجازفون بإحداث فجوة مضرة وخطيرة في الجسم.
ويقول الدكتور نايجل كارتر من مؤسسة صحة الأسنان البريطانية أن ثقب اللسان والتعوّد على العبث بقطعة المعدن المزروعة فيه قد يؤديان في النهاية إلى الاضطرار لإجراء جراحة تقويمية تكلف مبالغ كبيرة.
وينصح كارتر كل من له رغبة في ثقب اللسان الابتعاد عن الأمر نهائيا لتجنّب حدوث مضاعفات صحية غير مرغوب فيها.
إذا كان هذا رأي الأطباء في حالة بدأت تنتشر بين جيل من الشباب وفي تصرّف شائع وغير مسؤول، فمن الحكمة العودة إلى طرق الزينة التي كانت تتباهى بها أمهاتنا وجداتنا في تعليق الحلي بالأذن أو الأنف أو حتى في ساق القدم.
مازالت نساء المجتمعات الريفية في بلدان المغرب العربي يضعن نوعا من الأقراط الذهبية في الأنف في شكل تجميلي مثير من دون أن تكشف كل التجارب عبر العشرات من السنين عن أي ضرر صحي، مثله مثل الأقراط التي تعلق في شحمة الأذن.
بل إن نوعا من الحلي المسمى الخلخال الذي تضعه النساء في سيقانهن خصوصا في بلدان المشرق العربي، صار أحد أشهر الموضات الغربية لفترة من الوقت.
التزيين بالحلي فكرة تاريخية موغلة في القدم لها تفسيرات جمالية ونفسية وأحيانا دينية، وعادة ما تمثل الحلي الذهبية الثمينة نوعا من المباهاة لأنها تشعر النساء بالاستقرار النفسي والعاطفي، وتعليقها سواء في الرقبة أو الأذن أو معصم اليد لا يحمل أي ضرر، لكن المبالغة في ثقب أماكن حساسة من الجسم أمر يحمل على الاستغراب والتساؤل من دون أن يحصل على تفسير معقول.
أقراط أمهاتنا ورنات خَلاخيلهن تردد صداها في الأشعار وشكّلت رؤيتنا للجمال، ولكن حب الاستعراض دفع الكثيرين إلى تبنّي ثقافة غريبة رغبة في الظهور في صورة “جميلة” تجذب الناظرين ولا تسرهم.
أتساءل إن كان الجمال والبهاء لا يتحققان إلا بتشويه الجسد وتعذيبه؟ ففي نهاية الأمر، الجمال يكمن في ما تراه عين الناظر وليس في ما نشعر به.