أدب الأساطير
شعراء العراق استخدموا الكثير من الرموز الأسطورية العراقية والسورية للتعبير عن حالة اغتراب الذات وجوديا وفكريا.
الثراء الدلالي والتخييلي للأسطورة يشحن القصيدة الحديثة بمعان جديدة
قليلة هي الأعمال العربية التي انشغلت بدراسة الأساطير الشرقية، على الرغم من وفرتها. مناهج متعددة وهامة، أنجزها باحثون غربيون لدراسة الأساطير، تقدم للباحث العربي أدوات بحث غنية تعينه على إنجاز مهمته، لكن عددا محدودا غامر في خوض هذه المغامرة.
على خلاف ذلك ظهر تأثير الواقعية السحرية على الرواية العربية واضحا، من خلال توظيف الغرائبي والأسطوري في هذه الرواية. ولم يختلف الحال بالنسبة للشعر العربي منذ بداية القرن العشرين مع الاتجاهات الرومنسية في الشعر العربي، وصولا إلى تجارب شعر الحداثة. كان تأثير الشعر الغربي جليا في هذا المستوى.
الشاعر بدر شاكر السياب كان واحدا من أهم ممثلي هذا الاتجاه، في توظيفه للأسطورة تعبيرا عن قلق الذات الوجودي والروحي، من خلال استدعاء الكثير من رموز حضارات العراق، وفي مقدمتها أسطورة تموز.
توظيف هذه الرموز عكس في جانب منه حالة من التمركز السلبي حول الذات الحضارية، كما ظهر في اقتصار الشعراء المصريين على استدعاء الرموز الأسطورية الفرعونية، وكذلك شعراء التيار القومي السوري الذين انشغلوا بالأساطير السورية القديمة، في حين أن شعراء العراق استخدموا الكثير من الرموز الأسطورية العراقية والسورية للتعبير عن حالة اغتراب الذات وجوديا وفكريا.
أسهم هذا الثراء الدلالي والتخييلي للأسطورة في شحن القصيدة الحديثة بمعان جديدة، وفتح آفاقا جديدة أمامها، لكن هذه العلاقة مع الأسطورة لم تكن نابعة من وعي جمالي أو معرفي خاص، كما حدث عند الشعراء الغربيين، بل جاء تحت تأثير تجاربهم.
إن هذه الإضافة التي قدمتها الأساطير تطلبت أن يكون قارئ هذه التجربة على معرفة بها، وما تنطوي عليه من معان وعلاقات درامية، حتى يستطيع استيعاب جمالياتها ومعانيها. كثير من الدارسين للأسطورة في علاقة الشعر بها، ركزوا على الدور الذي لعبته في إغناء هذه التجربة ودورها في توليد علاقات درامية في بنية القصيدة الحديثة، في حين سكتوا عن صعوبة تواصل القارئ العربي مع هذه القصيدة، في حين أن البعد الأيديولوجي في هذه العلاقة عمل على تقييد حدود الأسطورة، وتوظيفها لغايات خاصة، جردتها من معناها العام العابر للحدود، عندما حولها إلى ملكية خاصة بحضارة وتاريخ محدد.
لقد عكست هذه المواقف ما كانت تعانيه الثقافة العربية من مشاكل وأزمات جعلت الوعي العربي محكوما بمحددات جغرافية وسياسية، لم تنته مفاعيلها حتى الآن، على الرغم من أن الأسطورة كانت تعبيرا عن حالة وعي جمعي بالذات والعالم، وكانت دائمة الارتحال بين حضارة وأخرى تحت مسميات مختلفة.