'دمعة المسعدة!'
ريم قيس كبّة
يمر بك الألم.. وتتوالى الصدمات.. تقاوم بفعل الإصرار على البقاء.. لكنك تقف على عتبة التحمل متسائلا “إلى متى؟.. وإلى أين؟”.. فهل تملك أن تغير الظرف والقدر وأن توقف ما تـُرمى به روحك من أحجار وحصى تدمي القلب وتوهن عظم الصبر والجَـلَد منك وتشعلُ روحك شيبا؟..
لم تعد ترِفاً بما يكفي لتفنى عند أصغر زلة.. ولست بليدا بما يكفي لتقف متفرجا على قلة حيلتك دون أن تنبـُسَ ببنت تمرّد.. ويظلّ عزاؤك الدائم أنك لست وحدك الذي يرزح تحت نير القسوة والعالم الدموي.. فإن أنت إلا نملة في مملكة الموت اليومي وسماجة نشرات الأخبار.
لست بعيدا عن الحدث لتقلب الموجة وتغير المزاج بأن تستمع لأغنية هابطة وتتفرج على مطربة صاعدة وهي تتلوى على إيقاع عصر لم يعد يشبه ماضيك.. فلا الزمان ولا المكان لك.. برغم كل ما تبديه من فرح مصطنع وكل ما تبني عليه آتيك من روايات ينسجها بقايا الأمل فيك.. أنت تنتمي لتلك الأرض.. وأنت تصرّ على ألا تغادرها حتى وإن غادرتك.. ولا شيء مما تقرأُه مخيتلك وتجليات واقعك قد يوحي بفرج قريب.
أرض السواد لم يعد يسودها الزرع بل ثياب الحداد.. لا ترى من ماضيك وحاضرك وآتيك غير نسوةٍ يتشحن بالسواد.. فيهنّ من تمزق ثيابها وتلطم بكفيها الصدر والخدود.. وفيهن من تجلس بكامل أناقتها وهي تمسح دمعتين طائشتين تفرا عنوةً من عينيها.. لتتهامس النسوة بخبث قائلات إنها “دمعة المَسْعَـدَة!”..
كم تتمنى أن تكون أحزانك شحيحات مثل دمعات النساء السعيدات!.. فحين تغمر السعادة إنساناً يصبح الدمع عصيا.. بيد أن أفراحك هي التي بدت شحيحة عصية مثل تلك الدمعات.. والماضي أمامك.. يقرأ طالع القادم من أيامك.. وأنت تحاول جاهدا أن تصعـّر خدّ تصديقك.. “ولكنها الحقيقة فالآتي أسوأ!”. هكذا يحدثك كل من حولك وأنت تتبع صوتا فيك يوشوشك بأن الآتي أفضل.. فتصرّ أن بكاءهم على أطلال الراحلين من بشر وأمكنة وأزمنة ما عاد يجدي فالعمر واحد..
“كم عمرا سنحتاج لنشهد ذلك الأفضل؟”.. يسائلونك.. وهم يزيدونك رجما بيأسهم ومعهم القدر والظرف والخيبات، إذ أنت تتسلح بلامبالاتك حينا وبحكم اعتيادك حينا وبمللك أحيانا أخرى، وتحاول في ساعات تجليك أن تفكر في طريقة تجمع بها ما يدميك من حجارة لتعيد تصنيعها فتعبّد بها طريقك وطريق أبنائك!، وتبني داخلاً يزيد ارتفاعا وليس هشاشة، كلما ازدادت مصائبه!
تتشبث ببعضك، ففي القلب كنز إصرار لا نفاد له.. (إن شئت أن تصدّق)، وفي تلك الفسيفساء المسماة “حياتنا” تحسّ أنه يمكنك ربما أن تكون مخلصا نقيا صبورا بما يكفي لتضع حصاتك الصغيرة في مكانها الصحيح من جدار تلك الأرض، فيكتمل المشهد وتتضح الصورة ويصبح لحياتك معنى وغاية. وإذ تقف على أعتاب إكتمال مهمتك لن تتساءل بعدئذ “إلى متى؟”.. ولا “إلى أين؟”.. لأن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، ولأن في انتظارك وتساؤلاتك هدر لحياتك التي هي بلا شك أغلى من دمعات النساء السعيدات.
شاعرة عراقية مقيمة في لندن
باهر/12