مؤتمر إصبع الصيني
إبراهيم الجبين
أفكار الشعوب وأمثالها تلخيص مكثف لتجاربها الكبرى، التي تعكس ثقافاتها وخبراتها، والتي يمكن لها أن تجنب شعوبا أخرى الوقوع في الحفرة ألف مرة. وبما أن جميع قضايانا، صغيرة كانت أم كبيرة، قد أصبحت قضايا مدوّلة، يتدخل فيها القريب والغريب. فقد بات من الملح أن نفهم كيف يفكر هؤلاء الذين يحلحلون لنا العقد التي عجزنا عن حلّها في خيطان حياتنا العربية.
وفي مؤتمر خيالي، وقد يكون حصل فعلا، لممثلي الشعوب التي تتدخل في حياتنا اليوم، يستخدم المندوبون أمثال شعوبهم في مداخلاتهم. فيطلب المندوب الألماني الكلام ويقول متنحنحا إن “الله يشفينا، لكن الطبيب هو الذي يأخذ الأجر”. يتناول المندوب الإيراني الميكروفون معبرا عن تصوره للإنسان القوي الوحيد الصالح للحياة في الشرق، ويقول إنه ذاك الذي “يبيع الجلد قبل أن يصيد الغزال”. بينما يرتب الفرنسي ربطة عنقه متناسيا ما يدور في الشرق من حروب ويلفت نظر المؤتمرين إلى أن “الحب يعلم الحمير الرقص”.
لكن المندوب الإيطالي إلى مؤتمر المشرق يتدخل مقاطعا ويقول “الشجرة الضخمة تعطي ظلا أكثر مما تعطي ثمرا”. يغضب الإيراني هذه المرة ويرفع صوته قائلا “الجاهل لا هو إنسان مفيد ولا هو حيوان ينتفع به”. وهنا يأتي دور التركي الذي ينظر شزرا إلى المتحلقين حول الطاولة الضخمة ويقول بهدوء “أيها الإنسان لا تنس الموت فإنه لن ينساك”.
مندوب الدنمارك مستشرق عجوز، يطلب الكلام ويقول باختصار “كان الله في عون الغنم إذا كان الذئب قاضيا لها”. المندوب الروسي يتحدث بعربية مكسّرة ويضرب على الطاولة قائلا “تصادقْ حتى مع الذئاب. المهم أن يكون فأسك مستعدا”. فينبهر المندوب الأميركي بكلامه ويشير إلى الحاضرين كي يستمعوا إلى ما قاله زميله الروسي. ويهمس غامزا بعينه “الخيانة لا تنجح أبدا، لأنها حين تنجح نعطيها اسما آخر”. يرفع رجل يشبه أنطونيو بانديراس يده، من الواضح أنه مندوب أسبانيا، يقول “ما أعظم النصر الذي يتم دون إراقة دماء”. فيعود الأميركي للحديث بنبرة صارمة: سيداتي سادتي إن “القوانين اللينة لا تتبع. والقوانين القاسية لا تُطبّق”. لكن السويسري يتمتم “من هزّ بيت جاره، سقط بيته”.
أما الهولندي فيعبر عن يأسه البرتقالي قائلا “يهب الله الطيور غذاءها، لكن لا بد لها من أن تطير حتى تصل إليه”. يصل الدور إلى البريطاني الذي يعتذر عن الكلام، فيلح عليه المندوب الأميركي مبتسما. يقول اللورد مضطرا إن “كل إنسان يصنع قدره بنفسه”. يزيد الصيني من ضيق عينيه ويقول “أنا أشير إلى القمر والأحمق ينظر إلى إصبعي”. مندوب الهند يعدّل عمامته ويضغط على النقطة الحمراء بين عينيه، ينظر إلى المندوب الإسرائيلي ويقول “ليس من الحكمة والمنطق أن تعيش في الماء وتعتبر التمساح عدوا لك”.
يعود الفرنسي من جديد ويقول مشيرا إلى الوفود العربية والإسلامية المشاركة “عشيق واحد: حب. عشيقان: مزاج. ثلاثة عشاق: تجارة”. ويضيف هامسا بعد أن ينسى إغلاق الميكروفون “ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
سراب/12