أبرهة الأشرم.. يحييكم
ما علينا، فقد أدركت الآن وبعد 3 عقود من العمل الصّحفي حسرتي على امتهان مهنة لا تؤكل خبزاً، وأن ما جمعته النملة حتى في غربتها الطويلة، قد أطاحت به أقدام الأفيال الغليظة سواء بـ”النصب” أو بالإسراف.
مهنة لا تؤكل خبزاً
أخيراً، وبعد قرابة 30 عاماً في مهنة الصحافة، أعترف لكم بأني اكتشفت لنفسي وظيفة أخرى، صحيح أنها لا تدرُّ دخلاً ولكنها على الأقل تدفع بلاءً جاء متأخراً جداً.
لا أدري لماذا تذكرت زميلي في قسم الصحافة بكلية إعلام القاهرة، الذي كان يتندر علينا ونحن نلهث وراء التدريب في أي صحيفة أو مجلة، بدون أجر طمعاً فيما بعد.. جنيهات قليلة وقتها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وإن كانت تجعل من سعيد الحظ “يمشي ملكاً” أو يتفاخر على الأقل بين أقرانه بعلبة سجائر من ظاهرها مارلبورو رمز “الفشخرة” بينما ما في داخلها لا يتعدى الـ”بوستون” أو “بلمونت” حلم المدخنين الجُدُد من طبقة الشعب العامل والكادح.
زميلنا كان على النقيض تماماً، يدرس الإعلام صباحاً ويمتهن لزق القيشاني والسيراميك مساءً، ويتباهى بالأخيرة جداً، لأنها تدرُّ عليه دخلاً في بضعة أيام يفوق ما يتحصّل عليه هذا الذي أصبح “صحافيّا” في شهر كامل، لدرجة أقنعني فيها بالعمل معه وكدت أفعل، لولا رعبي من عقاب أبي وهو “علقة ساخنة” لا شفاعة فيها، والأهم فجيعته من فكرة أن ابنه سيفضحه فضيحة “البلبول في شهر أيلول” بعمله “صبي محارة” بدلاً من حلمه في أن يكون صحافيا، خاصة بعدما نشر له أول موضوع، صحيح أن اسمه كان ببنط 9 أسود، لكن بالتأكيد سوف “يكبر” مع الأيام.
ما علينا، فقد أدركت الآن وبعد 3 عقود من العمل الصّحفي حسرتي على امتهان مهنة لا تؤكل خبزاً، وأن ما جمعته النملة حتى في غربتها الطويلة، قد أطاحت به أقدام الأفيال الغليظة سواء بـ”النصب” أو بالإسراف دون أن تعترف مرَّة بأن هذه “النملة” لو اشتغلت في “بياض المحارة” سيكون أفضل لها شخصياً من رؤية هذا العبث الذي يقوم به بعض العاطلين مهنياً وثقافياً ولغوياً، ولا يعرف أحدهم إلا أن يقسم باسم الجلالة “والله” سويّا بـ”واللهي”.
طبعاً بعد هذا “العكّ”.. تريدون أن تعرفوا مهنتي الحالية؟
باختصار.. “خفير” غير نظامي وفي منازلهم! طيلة النهار خناقات وصراخ في البيت: يا هانم.. أطفئي النور المضاء هدراً! يا ولد.. أغلق جهاز التكييف ليستريح قليلاً، واضبطه على درجة حرارة 24 فقط! يا بنت حرام عليك ترك الباب والغرفة مفتوحين وكأنك “تبردي” الجو للشارع! كل هذا ولا أحد يستمع.. لدرجة أن ابني الصغير عندما يراني مقبلاً يطلق تحذيره: استعدوا يا شعب.. أبرهة الأشرم قادم!
آخرتها أبرهة والأشرم.. فلتكن “حجارة من سجيل” إذاً.. ادفعوا أنتم فاتورة الكهرباء.
كاتب مصري