"المقطرنة" جيوبهم
بات مواطننا العربي مثل لحم وجبة "الشاورما" وجهه للنار وظهره لسكين البائع يقطع منه ما يشاء.
"مستنقع تلتئم فيه شياطين الإنس والجنّ"
في حادثة سفينة “تيتانيك” الشهيرة التي غرقت في أولى رحلاتها عبر المحيط الأطلسي عام 1912.. مات 1517 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال باتوا جميعاً في طيّ النسيان ولا يذكرهم أحد؛ لكن جيمس كاميرون مؤلف ومخرج الفيلم عن ذات المأساة (عام 1997) جعل الناس تتعاطف ـ وربما تذرف الدموع ـ على اثنين فقط؛ البطل جاك (ليوناردو دي كابريو) والبطلة روز (كيت وينسليت) اللذين انحدرا من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، ووقعا في الحب على متن الرحلة المنكوبة.. بينما 1515 روحاً بريئة أخرى ليسوا إلا أولاد البطة السوداء أو “كومبارس” لا قيمة لهم!
هكذا تفعل معظم وسائل الإعلام اليوم ـ وبالأخص في عالمنا العربي المغلوب على أمره ـ بانتقائيته في التعامل مع الأحداث وبأكثر من وجه.. باسم “الحرية” يتم استنساخ الفوضى في أقبح صورها لتكون أداة السوء في أجندات التقسيم، وباسم “الديمقراطية” يتم استدعاء “المقطرنة” جيوبهم قبل قلوبهم ليكونوا هم الأذرع القميئة التي توسوس بالضلال، أما باسم “الرأي والرأي الآخر”.. فيكفي أن تكون “الجزيرة” وحدها مستنقعاً تلتئم فيه شياطين الإنس والجنّ من كل صنف ونوع.
ولأن لا مجال لضرب أمثلة لضيق المساحة، إلا أنني أعترف أن إعلام اليوم، ليس كإعلام الأمس، الذي كان سر نجاحه الأهم هو ذاته سر “الزواج” الناجح.. أي تغلق فمك وتعاني في صمت! لنصبح بالتزامن مع التطور التقني وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أمام معادلة أخرى مفزعة: تفتح فمك وتثرثر بما يجعل الجميع يعانون في ما هو أفظع من الصمت.. العجز! بعبارة أخرى، بات مواطننا العربي مثل لحم وجبة “الشاورما” وجهه للنار وظهره لسكين البائع يقطع منه ما يشاء.. والكارثة أنه يظل يدور في مكانه وعلى الخازوق المسمى تأدباً العمود أو “الحديدة”!
السؤال الموجع: هل إعلامنا العربي ببعض أشكاله “الضالة” يستطيع التخلص من هذه العاهات ويفوق مستوى أمةٍ لا تزال تنظر تحت قدميها باعتبار “الجنة تحت أقدام الأمهات”، أم تظل بعض قنواته تستمرئ لعب دور “المملوك جابر” الشهير قديماً والمتكرر حديثاً؟
ولأني لا أستطيع أن أكتب مقالاً دون أن أتعرض فيه للنساء الذين هن ـ كما قال أوسكار وايلد ـ جنسٌ مدهش “لديهن حدس فظيع، يلاحظن كل شيءٍ عدا الأشياء الواضحة”، لذا أجيبُ ـ بكل “تشاؤل” ـ متذكراً بأسى قصة ذلك الذي استفسر من حكيم: هل يمكن للمرأة أن تجعل زوجها مليونيرا؟.. فابتسم في هدوء وأجاب: نعم وبكل تأكيد.. هذا إن كان مليارديراً!
عمتم صباحاً أو مساءً يا قوم!
كاتب مصري