التدخين يطيل الأعمار!
المدخنون وغير المدخنين يموتون ويمرضون وأن ما يلصق بالتدخين هو تهمة جائرة. هذا ما تقوله شركات صناعة السجائر منذ عقود في دفعها للتهم الموجهة لها.
التدخين يقصف الأعمار
لست مدخنا ولم أدخن في حياتي، ولا أخفي انزعاجي من التدخين. لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن ثمة تمييزا منظما ضد المدخنين. إنه تمييز يمارس على كل المستويات بحجة الصحة العامة، صحة المدخن وصحة من يجلس بجواره.
في المشرق لا يزال التدخين منتشرا في الأماكن العامة، لكن في الغرب تجد المدخنين يرتجفون بردا عند مداخل المباني. بعض المؤسسات في الشرق صارت تمنح الموظفين غرفا خاصة للتدخين، لكن غرف التدخين اختفت من الغرب تماما. علامة منع التدخين التي تجدها في كل مكان اليوم صارت تذكّر بعلامات التمييز بين البيض والسود في عهود التمييز العنصري.
نظريا التدخين يكلف الدول الكثير، خصوصا في مجال الرعاية الصحية. السجائر رخيصة في الشرق، مما يشجع على الاستمرار بالتدخين. في الغرب، تبدو علبة السجائر في سباق سعري مع بقية السلع الاستهلاكية. العلبة تكلف أكثر من 10 دولارات في لندن. لا شيء رخيصا في الغرب، ولكن السجائر هي الأغلى نسبة وتناسب بين السعر الأصلي والسعر النهائي. لا أعرف بالضبط إن كان السعر المرتفع يتقصّد الحد من التدخين أم أنها فرصة لإجبار المدخنين على دفع نسبة معتبرة من دخلهم إرضاء لهذا الإدمان المشروع.
التدخين يقصف الأعمار. الإحصائية الرسمية في بريطانيا تشير إلى 80 ألف حالة وفاة سنويا بسبب التدخين. هناك 400 ألف حالة مرضية منسوبة للتدخين سنويا في منظومة الرعاية الصحية البريطانية. لا يتردد بعض الباحثين في وضع رقم ملياري جنيه إسترليني كفاتورة سنوية لعلاج أمراض لها علاقة بالتدخين. إنها أرقام مرعبة ومؤسفة في آن واحد ولا نعرف تحديدا ما هي مقابلاتها في العالم العربي.
ولكن هل هذه الأرقام تفصح عن حقيقة ما يجري؟ هل السجائر هي المجرم الخفي الذي يقتل ويصيب بين ظهراني المجتمعات بلا حساب؟
الفضول يدفع إلى الدخول أكثر في تفاصيل الأرقام. في بريطانيا، تشن الحكومة والبلديات حملات منظمة للحد من التدخين. بلغت هذه الحملات ذروتها في العقد الأخير. تمت محاربة المدخنين في كل مكان ومحاصرتهم، فماذا كانت النتيجة؟ عام 2006، كان عدد الوفيات ذات العلاقة بالتدخين حوالي 80 ألفا والمرضى 444 ألفا.
عام 2016، كان عدد الوفيات حوالي 80 ألفا والمرضى 474 ألفا. لا تغيير يذكر. أي مراقب منصف سيقول إن الحملات فشلت. أي مراقب غير منصف سيقول إنها حملات سياسية تستفيد منها أطراف وأن هذه الوفيات والإصابات لها علاقة بأمراض أخرى. المدخنون وغير المدخنين يموتون ويمرضون وأن ما يلصق بالتدخين هو تهمة جائرة. هذا ما تقوله شركات صناعة السجائر منذ عقود في دفعها للتهم الموجهة لها.
نزيد؟ الضرائب على السجائر تبلغ 12 مليار جنيه إسترليني. نظام الضمان الصحي ينفق منها ملياران على المرضى المصابين بأمراض يسبّبها التدخين. الفارق هو 10 مليارات جنيه إسترليني يستفيد منها مرضى مصابون بأمراض أخرى. البعض يقول إن من دون مدخنين، قد تنهار منظومة الضمان الصحي نتيجة لنقص الموارد.
التدخين إذا يطيل الأعمار. ربما ليست أعمار المدخنين.
كاتب من العراق مقيم في لندن