أغلفة روايات غيرت عالم القراءة
كانت الأغلفة التي تربينا عليها في قراءاتنا السردية الأولى تشبه إلى حد كبير أفيشات الأفلام، فالقارئ يأخذ رواية لقراءتها وكأنما هو يدخل قاعة عرض سينمائي.
بورتريه الأديب يضيف نوعا من السحرية على النص
من مِنْ جيلنا من الكتاب والمثقفين والقراء في العالم العربي والمغاربي، الذي تربى على ذوق كتب السبعينات والستينات، لا يتذكر وبكثير من الشهية والنوستالجيا الثقافية، صور أغلفة روايات لطالما ظلت عالقة بذاكرتنا حتى اليوم؟
كانت أغلفة الرواية هي بوابة القراءة، هي تحريض فني على المغامرة مع النص، دعوة إلى اقتحام عالم يطرح أسئلة من رسمة وشكل بسيط مثير وألوان متناسقة.
لم تكن أغلفة الروايات التي ورطتنا في القراءة العذبة وفي الكتابة لاحقا عبارة عن ورق مقوى لـ”تغليف” لرزمة من الأوراق المكتوبة والملصقة، أغلفة الكتب التي فتحنا عليها أعيننا وفضولنا الثقافي والأدبي هي نصوص في حد ذاتها، مستقلة عن المتن ومتماهية معه.
من منا لا يذكر غلاف روايات إحسان عبدالقدوس “الوسادة الخالية” أو “أنا حرة” أو “النظارة السوداء” أو “البنات والصيف” أو “في بيتنا رجل”…
ومن منا لا يذكر أغلفة روايات “لقيطة” أو “شجرة اللبلاب” أو “ليلة غرام” لمحمد عبدالحليم عبدالله، هذا الروائي المتميز، الذي لم ينل حقه في الدرس الجامعي، ولم يهتم به النقاد العرب بشكل عام، وهو الذي يمثل ظاهرة سوسيو- ثقافية وجمالية- أدبية أعطت نفسا جديدا لمسيرة السرد الحديث والمعاصر بالعربية.
ومن منا لا يتذكر غلاف رواية “أنا أحيا” لليلى بعلبكي، تلك الرواية التي قرأناها وأعدنا قراءتها لمرات، وكانت من بين النصوص السردية الأولى التي مثلت الحركة التحررية النسوية في الأدب الروائي. ومن منّا أيضا لا يتذكر أغلفة روايات يوسف السباعي على سبيل المثال: “بين الأطلال”، “إني راحلة”، “اذكريني”..
كما كان لأغلفة الروايات المترجمة – في غالبيتها ترجمات حرة وبتصرف واضح- أثر كبير على تطوير ثقافة القراءة في الأوساط العربية والمغاربية، فمن منا لا يتذكر رواية “بائعة الخبز″ للفرنسي كزافيي دومونتوبان أو “الفضيلة” لبرناردين دي سان بيير أو “ماجدولين” (الروايتان الأخيرتان ترجمهما لطفي المنفلوطي بحرية مطلقة) وغيرها.
هي روايات كان فيها الغلاف صيادا ماهرا لقارئ جديد، بدأ يتخلص شيئا فشيئا من سلطة منبرية الشعر ليغامر مع النثر في تجربة سوسيو- ثقافية وجمالية جديدة، في مجتمع ينفتح قليلا قليلا على تجارب أدبية وحضارية وتقنية جديدة.
كانت الأغلفة التي تربينا عليها في قراءاتنا السردية الأولى تشبه إلى حد كبير أفيشات الأفلام، فالقارئ يأخذ رواية لقراءتها وكأنما هو يدخل قاعة عرض سينمائي، فالنص المقروء يتداخل مع المرئي، وقد لعبت بالفعل السينما دورا مهما في الترويج للنصوص الروائية التي اقتبست منها، كما أن كثيرا من الروايات بنجاحها لدى القارئ مهدت السبيل لنجاح شباك الأفلام المقتبسة منها.
يمكن اعتبار غلاف الرواية فلسفة تعكس ذوق القارئ، صورة لسيكولوجية قارئ في مرحلة معينة، هذه السيكولوجيا تختلف من لغة إلى أخرى، فما قد يعجب القارئ في اللغة العربية قد لا يشد القارئ باللغة الفرنسية أو الإنكليزية، فكل لغة لها تراكمات “قروئية” معينة.
لقد كانت الأغلفة الساحرة لروايات إحسان عبدالقدوس، ومحمد عبدالحليم عبدالله، ويوسف السباعي، ونجيب محفوظ التي أنجزها الفنان جمال قطب، منسجمة أيضا مع البورتريهات التي كان ينجزها هذا الفنان للكتاب والكاتبات، فكثيرا ما يضيف بورتريه الأديب نوعا من السحرية على النص وبعض الغموض على المبدع نفسه، فسلسلة بورتريهات الكتاب التي كانت تقدمها شهريا مجلة الهلال كهدية لكل عدد، صبغت هالة كبيرة على كثير من الأدباء من أمثال العقاد وطه حسين والرافعي ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس والمنفلوطي ومي زيادة وجبران خليل جبران وأحمد شوقي… وكانت صور الأدباء هذه عتبة أخرى لقراءة النصوص قراءة خاصة والوصول بها إلى حيز الإدهاش.
روائي وأكاديمي جزائري