أردوغان والرهان على صراع الحضارات
غوكهان باجيك
التيارات الإسلامية تقرأ السياسة العالمية من خلال عدسة الاستعارات الدينية، مثل الحروب الصليبية أو الصليب في مواجهة الهلال.
أردوغان يريد خلافا مع الغرب، لكنه لا ينوي الانضمام إلى كتلة بديلة
بعد ساعات قليلة فقط من قيام مسلح بقتل 50 شخصا في مسجدين في نيوزيلندا الأسبوع الماضي، عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقطات من الهجوم خلال تجمع انتخابي. يرمز هذا إلى الكثير بشأن فهم تركيا للسياسة العالمية.
في الأيام الماضية، تبنت تركيا موقفا حذرا تجاه الهجمات الإرهابية في الخارج. وحتى نهاية العقد الماضي تقريبا، كانت الدعامة الأساسية للسياسة الخارجية التركية تتمثل في عدم وجود صراع حضارات بين المسلمين وغيرهم، وفي أنه من الخطأ رؤية السياسة العالمية من خلال عدسة التكتلات الثقافية المتنافسة.
حتى أن تركيا كانت تنظر إلى نفسها كداعية بارزة للحوار بين الثقافات والأديان، وشاركت في رعاية مشروع تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة في العام 2005 في محاولة لنزع فتيل التوترات وتشجيع العمل في مواجهة التطرف.
ولكن بالنظر إلى رد فعل أردوغان والزعماء الأتراك الآخرين على الهجوم في نيوزيلندا، فمن الواضح أن تركيا تتبنى الآن عقلية دبلوماسية مختلفة تماما.
تعتقد تركيا الآن أن صراع الحضارات أو الثقافات هو جوهر السياسة العالمية. ويمثل الدين عاملا أساسيا في هذه الحرب الجديدة. وهكذا، مثلما طالبت الحكومة الأتراك خلال فترة الحرب الباردة بتوخي الحذر من الخطر الشيوعي، تحذر الحكومة الآن مرارا وتكرارا وبصوت مرتفع مواطنيها من الصراع الدائر. ويستثمر الزعماء السياسيون الأتراك وقتا كبيرا وجهدا لإقناع الأتراك بالتهديد الوشيك للحرب بين الثقافات في السياسة العالمية.
كما تقول الحكومة للناس إن تركيا تمثل هدفا للحرب الثقافية الجديدة. وقد أعلن أردوغان أن الهجمات في نيوزيلندا كانت ضده مباشرة وضد تركيا (لكي نكون منصفين لم يذكر مهاجم نيوزيلندا قتل أردوغان والكثير من الأتراك ضمن الأهداف في بيانه).لكن هذه الرواية تتطلب دورا جديدا لتركيا، وهو عكس ذلك الذي كانت تدعيه تماما، كجسر بين الشرق والغرب. والآن تقول تركيا لمواطنيها إنها خط المواجهة بين الثقافات.
تسود قوتان محركتان أساسيتان وراء تبني تركيا هذا التفسير للسياسة العالمية. القوة المحركة الأولى هي الإسلاموية، التي تقرأ السياسة العالمية من خلال عدسة الاستعارات الدينية، مثل الحروب الصليبية، أو الصليب في مواجهة الهلال. ترى الإسلاموية منافسة بين الكتل الثقافية أو الدينية أو الحضارية. وفي هذه الرؤية، لا يتم رفض العوامل المادية مثل التجارة تماما، ولكن يُنظر إليها على أنها قضايا ثانوية.
القوة المحركة الثانية هي فشل حزب العدالة والتنمية الحاكم في الاقتصاد. وفي ظل وصول التضخم إلى نسبة 19.7 بالمئة والبطالة إلى 13.5 بالمئة وانخفاض الليرة بنسبة 28 بالمئة مقابل الدولار في العام الماضي، دخلت البلاد في الركود وحزب العدالة والتنمية مقتنع بأن الانهيار الاقتصادي أمر لا مفر منه. وهكذا اختار الشعبوية القومية الإسلامية إستراتيجية للبقاء. يريد أردوغان من الناس التركيز على المشكلات الوجودية بدلا من قضايا مثل سعر البصل أو البطاطا. لكن أين هذه الحرب؟ من هو العدو؟ من هم الحلفاء؟ ما الذي تريد تركيا أن تدافع عنه أو تدمره؟
يقول كثير من المنتقدين إن الخلاف مع الغرب أصبح الآن أمرا لا مفر منه نظرا للتحول الأيديولوجي في السياسة التركية. يشيرون إلى روسيا والصين كشريكتين جديدتين بديلتين لتركيا.
لكنني أعتقد أنه عند تحليل رد أردوغان على هجوم نيوزيلندا، ينبغي لنا أن نستنتج شيئا آخر. أردوغان يريد خلافا مع الغرب، لكنه لا ينوي الانضمام إلى كتلة بديلة. وبدلا من ذلك، فإن ما يحلم به هو وحلفاؤه هو تركيا بتوجه داخلي، معزولة عن قصد عن السياسة العالمية وبعيدة عن العالم الخارجي.
كاتب وأكاديمي وباحث تركي