«الصحوة» عن زمن «الصحوة»!
علي القاسمي
لن نجد في هذه الأيام حديثاً يحتل مساحة من النقاش والعراك الاجتماعي ومهام الاستذكار والتذكر غير الشاقة سوى الحديث عن الصحوة، ولاسيما أن أحد الأسماء المهمة ذات الالتصاق بهذا المسمى اعتذر باسمه واسم المصاحبين للمجتمع السعودي عما صنعته أو خلفته أو أنتجته أو قدمته أو عملت عليه أو روجت له الحقبة الزمنية الموصوفة بـ«الصحوة»، الداعية عائض القرني جاء في توقيت غير متوقع ليقول ما كان متوقعاً قوله وإن جاء في وقت متأخر لأضع هنا السطر الشهير «أن تأتي متأخراً خير من ألّا تأتي».
الحديث عن الصحوة وزمنها لا يمكن أن تنصفه أسطر مقالة عابرة أو دقائق متصلة من الأسئلة المعجونة أو المطبوخة وربما المتوقعة وتلك الأخرى التي تفتش عن ربع إجابة، والأسئلة الملغمة في العمر الفائت أو ما كان يخشى طرحها وبعثرتها وسكبها على أي طاولة باتت تطبخ على مهل وتسكب بهدوء وتأخذ حقها من التنفس والطرح الجاد الذي لم يعد قابلاً للمواربة أو التضليل ولا حتى المراوغة بذرائع متعددة. الاعتذار الذي أحضره داعيتنا الفاضل سيكون مثار شد وجذب وإن جاء في ثوب الاعتذار مع جمل الاعتذار الشهيرة وأنه من شيم الرجال والكرام والشجعان، هناك فئة عمرية تريد نسيان هذه المرحلة بلا خوض في التفاصيل ودوائر الانهاك والارباك، هذه الفئة لن تقبل الاعتذار وإن قبلته فعلى مضض ومراحل وزمن متدرج يحتاج لعواصف لا عاصفة واحدة من التغيير والتحول والقفز من خانات إلى خانات، فئات عمرية بعينها عانت وشكت وتضررت وقيدت في حرياتها وعوقبت على ما لن تعاقب أو تلاحق عليه في زمن كهذا، هذه الفئة ستأخذ الاعتذار من نوافذ وبوابات الكوميديا الساخرة، وتحاول استحضار محتويات الذاكرة الرهيبة ووأدها في المهد وسكب ما يتوافر من الحرائق عليها وقطع الطريق بين هذه المحتويات والأحداث والمواقف والأقوال، وهذا فعل شائك وشاق جداً وستعود جملة «إن نسيتم فلن ننسى».
فئة أخرى ستحاول تهدئة الموقف وصناعة أجواء من الحمد والشكر وأن الزمن يتطلب هذا الحضور والمبادرة ونسف المراحل بطريقة حادة واختيار المفردات والجمل التي لا تقبل الحياد ولا الوقوف في خط المنتصف. لا يمكن أن ينكر متابع أو مهتم أو مشارك أو كائن تعايش وعاش الأجواء أن «الصحوة» مثلت مشروعاً عمل مرتب ذو أجندة ومخططات وعضلات لم يكن يقوى أحد على ملامستها أو تجربتها في لعبة شد الحبل، القوى حينها لم تكن متوازية ومن حاول عن وعي أو إدراك مبكر خوض معركة ما فسيدخل في عين العاصفة وثقب الإبرة ومنعطفات التخوين والتجريم، هذه المرحلة للنسيان ولا يمكن انتقاء عبارة أخرى سواها، لكنه نسيان منهك وعصي بل يشبه فترة المراحل العلاجية الطويلة لمريض تعرض لوعكة صحية شملت جسده من أخمص الرأس لأصابع القدمين.. انتهت المساحة.