أطفال الشوارع وعداد التاكسي
حسين صالح
في بلادنا تعطي سائق التاكسي خمسة جنيهات أو دنانير، حسب البلد، فيقول لك “خمسة جنيهات؟ هل تريد أن يبيت أطفالي في الشوارع؟” حوار دار في أكثر من مدينة عربية وجعلني أتساءل إلى اليوم “لماذا المبيت في الشارع؟”. هل تدفع الجنيهات الخمسة الأطفال إلى المبيت في الشارع؟ وعلى أي أساس وبأي حساب؟
في بريطانيا لا يبيت أطفال سائقي التاكسي في الشوارع مهما كان المبلغ الذي يتلقاه والدهم، وكذلك الحال في دول الاتحاد الأوروبي. لم أزر الولايات المتحدة لكني واثق أن أولاد سائقي التاكسي يبيتون في فراشهم كل ليلة وبغض النظر عن الأجرة التي يدفعها الراكب.
على أي حال، ظلت المسألة تؤرقني ثم أعتقد أني وصلت إلى حل. اليوم يسعدني أن أقاسمكم ما توصلت إليه. أعتقد أن أطفال سائقي التاكسي بالذات يولدون بشيء من التشوه الجيني الذي يجعلهم لا يحتملون أن يكون فوق رأسهم سقف ويجعلهم شغوفين جدا بالنوم في الهواء الطلق.
ولأجل الوصول إلى ذلك اتخذوا من أجرة التاكسي التي يتلقاها والدهم حجة وذريعة ليخرجوا إلى الشارع ويبيتون فيه. ذلك التوق إلى الهواء الطلق يجعلهم يسألون والدهم لدى عودته إلى البيت مساء عن الأجرة التي دفعها الركاب له، وما أن يقول إن أحدهم دفع خمسة جنيهات حتى يبدأوا استعداداتهم للخروج من البيت واصطحاب بضع مخدات ليناموا في الشارع.
هكذا تتضح العلاقة بين الجنيهات الخمسة ومبيت الملائكة الصغار في الشوارع. طبعا التفسير كله قائم على تصديق سائق التاكسي، وأنا أصدقه. لكني أود فقط أن أوضح له أن بياتهم في الشارع لا علاقة له بالأجرة وان أولاده سيقومون بنزهتهم الليلية مهما كان.
لكني اكتشفت مؤخرا أن تشرد الأطفال في الشوارع ليس حكرا على أطفال أصحاب سيارات الأجرة.
في القاهرة يمتد التشوه الجيني هذا ليشمل أولاد بائعي الخضروات والفاكهة وكل شيء. كل من تعطيه فلوسا لشراء شيء ينظر إلى ما قدمته ويقول نائحا “هل تريد أن ينام أولادي في الشارع؟”.
والغريب أن الآباء هؤلاء لم يألفوا الوضع ويرددون قلقهم على الأولاد ومحل مبيتهم بشكل مفجوع ومصدوم رغم أن أولادهم يفعلون هذا كل يوم.
في مصر هناك ظاهرة محزنة كبيرة تسمى "مشكلة أطفال الشوارع". أنا أعتقد أنها ليست مشكلة وأن هؤلاء الأطفال النائمون في الشارع هم أطفال سائقي سيارات الأجرة الذي تلقى آباؤهم خمسة جنيهات فقط من الراكب أو أولاد بائعي الطماطم الذين لم يتلق والدهم سوى عرض لشراء كيلو الطماطم بثلاثة جنيهات.
ومما يثبت صحة ما ذهبت إليه في هذا التشخيص العلمي هو أن الدول والثقافات التي لا يبلغّك فيها أصحاب سيارات الأجرة ولا بائعو الخضروات أن أولادهم سيبيتون في الشارع من جراء الأجرة المنخفضة والثمن المتدني، هذه الدول لا توجد فيها مشكلة أطفال شوارع.
ركّبوا عدادات لتحلوا مشكلة أطفال الشوارع.
سراب/12