غنائم الصين من تصاعد التوتر الأميركي الإيراني

غنائم الصين من تصاعد التوتر الأميركي الإيراني
د. أحمد قنديل
الأعمال العسكرية المحتملة على الأراضي الإيرانية تعرض الاستثمارات الصينية للخطر، وربما ينجم عنها غلق مضيق هرمز الاستراتيجي، ما يترتب عليه من آثار كارثية على الصين.
بكين وتوظيف الأزمات لصالحها
تفرض فرضية شنّ القوات الأميركية حربا ضد إيران على صانعي القرار الأميركي الانشغال بعيدا عن محاولات احتواء الصعود الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي للصين. ويشعر قادة بكين بأن تصاعد التوتر في منطقة الخليج جاء كهدية من السماء لتعزيز مصالح بلادهم الاستراتيجية.
تزامنت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبكين مع تصعيد أميركي ضد بلاده، تمثل في رفع نسبة الرسوم الجمركية على 200 مليار دولار من البضائع الصينية، وانتقام بكين المحتمل بفرض رسوم جمركية إضافية على 60 مليار دولار من البضائع الأميركية.
تستطيع الصين أن تستفيد من الورقة الإيرانية في مفاوضاتها التجارية الصعبة مع الولايات المتحدة. فهي أكبر عميل لنفط إيران مع استيرادها 475 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الحالي، وفقا لبيانات الجمارك الصينية. كما أنها الشريك التجاري الأول لطهران بعد أن زاد معدل التبادل التجاري بين الدولتين في عام 2017 إلى 37 مليار دولار، منها حوالي 11 مليار دولار صادرات الخام الإيراني إلى الصين.
وتضاعفت الاستثمارات الصينية في إيران العام الماضي، حيث وقّعت شركة النفط الصينية العملاقة “سينوبك” في مايو 2018 صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لتطوير حقل يادافاران، لتحلّ الشركة الصينية محلّ شركة “رويال داتش شل”، التي قرّرت الخروج من إيران لتجنّب غضب واشنطن.
    الأعمال العسكرية المحتملة على الأراضي الإيرانية تعرض الاستثمارات الصينية للخطر، وربما ينجم عنها غلق مضيق هرمز الاستراتيجي، ما يترتب عليه من آثار كارثية على الصين
وحلّت مؤسسة البترول الوطنية الصينية في 25 نوفمبر الماضي محلّ شركة “توتال” في تشغيل المرحلة 11 من مشروع حقل بارس الجنوبي، بعد انسحاب الشركة الفرنسية من المشروع في منتصف العام الماضي بسبب العقوبات الأميركية.
لكن عمل المؤسسة الصينية تم تجميده في منتصف شهر ديسمبر الماضي بعد محادثات مطوّلة مع مسؤولين أميركيين حثوا المؤسسة على الامتناع عن ضخ تمويل جديد في إيران وإلا تعرّضت للعقوبات.
وكشف مدير الاستثمار في الشركة الوطنية للصناعات البتروكيمياوية في إيران، حسين علي مراد، في أغسطس الماضي عن التوصل إلى اتفاق مع كونسورتيوم آسيوي (صيني- فلبيني) لاستثمارات تقدّر قيمتها بنحو 7 مليارات دولار في صناعات البتروكيمياويات لإكمال حلقة “الميثانول” وتحويل الغاز إلى “إم.بي.جي”.
ومع أن واشنطن لم تتردد في معاقبة الشركات الصينية المتعاقدة مع طهران مثل شركتيْ الاتصالات هواوي و”زد.تي.إي”، إلا أن الشركات الصينية تتعاون مع نظيرتها الإيرانية في مجال بناء السكك الحديدية ومترو الأنفاق ومصانع السيارات.
ومن المتوقع أن تلعب الصين دورا مهما في ضمان استمرار تنفيذ الجوانب التقنية للاتفاق النووي مع طهران، فمع خروج واشنطن من المعادلة، سوف تصبح بكين في مقعد القيادة بالنسبة لإعادة تصميم منشأة إيرانية نووية رئيسية، وهي مفاعل آراك للماء الثقيل، وتستعد لاستكمال مفاعليْن نوويين في إيران في السنوات القادمة.
ومن شأن دخول القوات الأميركية في تصعيد جديد أن يبعد انتباه الولايات المتحدة عن تصاعد قوة بكين في بحر الصين الجنوبي وأن يتيح حرية حركة أكبر أمام الصين، حيث استفادت بكين من انخراط واشنطن سابقا في حربيْ العراق وأفغانستان وتمكّنت من توسيع تواجدها الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي، كما تحسّنت علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع غالبية الدول الآسيوية.
ويقود التصعيد ضد إيران إلى تعزيز المكانة الدولية للصين، فهو يعدّ دق “إسفين” في العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين الذين تتضرر مصالحهم الاقتصادية من وراء تقليص تواجدهم في إيران.
ويؤكد بعض الخبراء الصينيين، أن الشراكة مع إيران مهمة في تحقيق جملة من المصالح الاستراتيجية. فالصين هي الشريك التجاري الأول لطهران، ويبلغ نصيبها حوالي 30 في المائة من تجارة إيران الخارجية، بينما يبلغ التبادل التجاري لبكين مع إيران أقلّ من 1 بالمئة من إجمالي التجارة الخارجية للصين.
    تستطيع الصين أن تستفيد من الورقة الإيرانية في مفاوضاتها التجارية الصعبة مع الولايات المتحدة. فهي أكبر عميل لنفط إيران مع استيرادها 475 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الحالي، وفقا لبيانات الجمارك الصينية
وتعتبر إيران حاليا المنتج الرئيسي الوحيد للنفط في الشرق الأوسط الذي يمكن الوثوق في استمرار تزويد الصين، حال حدوث صدام مع الولايات المتحدة. ورغم أن العديد من الدول والشركات الأجنبية تجنّبت العمل في إيران مؤخرا بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، غير أن الكثير من دوائر المال والأعمال الصينية ما تزال تعتبر إيران سوقا يضم إمكانات هائلة.
ويؤكد الصينيون على أن إيران تمثل محطة رئيسية في مبادرة “طريق واحد وحزام واحد إلى أوروبا”. ويمثل هبوط العملة الإيرانية وهروب الاستثمارات الأجنبية من إيران في الآونة الأخيرة، فرصة هائلة لرجال الأعمال الصينيين لتعزيز التواجد في طهران.
لكن الأعمال العسكرية المحتملة على الأراضي الإيرانية تعرض الاستثمارات الصينية للخطر، وربما ينجم عنها غلق مضيق هرمز الاستراتيجي، ما يترتب عليه من آثار كارثية على الصين، وأي تعطيل في عمليات نقل النفط من المنطقة سيكلّف بكين ثمنا باهظا، كما أن انعدام الاستقرار في المنطقة يضرّ بأرباح الصين من مشروعها المعروف بـ “مبادرة الحزام والطريق”.
ومن غير المستعبد أن يضحّى الصينيون بإيران إذا نجحوا في التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، ويتضمن شرطا أميركيا بوقفها شراء النفط الإيراني، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى بكين التي ترتبط بشبكة واسعة من المصالح مع واشنطن، فهي الشريك التجاري الرئيسي لبكين، وتهيمن على النظام المالي العالمي، وتبقى أكبر سوق في العالم.
باحث في الشؤون الآسيوية

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه