أسباب الفوضى كامنة ومبيتة في انتقال تونس

بقلم طارق القيزاني حزيران/يونيو 30, 2019 768

أسباب الفوضى كامنة ومبيتة في انتقال تونس
طارق القيزاني
قد يكون قائد السبسي نجح بخبرته السياسية الطويلة وإلى حد ما في تأمين بداية الانتقال السياسي ولكنه نجح بشكل أكبر اليوم أيضا، وبأمر يخرج عن إرادته، في أن يعري عمليات الالتفاف على هذا المسار.
رغبة في إبقاء اليد على مؤسسات الحكم
يحسب للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أنه عبّد طريقا رئيسية لبداية الانتقال السياسي حينما تولى قيادة حكومة مؤقتة في ذروة الانفلات الأمني والاجتماعي عام 2011، وفي لحظة مفصلية بعد الثورة كانت فيها البلاد على مرمى حجر من الفوضى.
لكن قائد السبسي الذي استأنف حياته السياسية في عقد الثمانين من عمره آنذاك وبعد أن توارى عن العمل السياسي لأكثر من عقدين، كان أول ما يتوجب عليه فعله في اختبار العودة في عام الثورة أن يحافظ أولا على استمرارية الدولة والمؤسسات، وهو الشعار ذاته الذي ظل يردده في كل مناسبة، “أنا رجل دولة”!
لكن هذه المرة ليست خبرة قائد السبسي السياسية وحدها من ستضمن استمرار ذلك الشعار طالما أن الانتقال السياسي لا يزال معلقا ومرتهنا بحسابات الأحزاب وأداء البرلمان وبصحة الرئيس نفسه أيضا، فطالما أن الرئيس على قيد الحياة فإن هذا بحد ذاته ضمانة لاستمرارية الدولة. وهذه حقيقة أكدتها حالة الارتباك التي رافقت الأزمة الصحية للرئيس ونقله إلى المستشفى العسكري.
لكن في كل الدول الديمقراطية في العالم فإن دعوات الملايين ليست ضمانة قانونية أو دستورية لتأمين صحّة الرئيس. والرئيس التونسي نفسه أقر بهذه الحقيقة في خطاباته وهو في آخر عهدته الرئاسية، فإيمانه بالدولة لم يجعله يغفل عن حتمية الأمور، وهذه ميزة تحسب له أيضا. ولا يمكن أن ينكر عليه خصومه اليوم أنه أبلى بلاء حسنا في تأمين شرط السلامة الصحية طيلة أدائه لمهامه الرئاسية قياسا إلى سنّه في عقد التسعين.
مع ذلك، لا البرلمان ولا السياسيين وضعوا في اعتبارهم إمكانية الفراغ الدستوري وبدل ذلك استمروا جميعا في المقامرة بكل شيء بتبنّي توافقات مرحلية في كل أزمة وابتكار قوانين تفتقد إلى التفسير القاطع وإلى التطبيق السلس والواضح.
قائد السبسي كان من أول المنادين بشرط استكمال وضع المحكمة الدستورية لحماية الانتقال السياسيقائد السبسي كان من أول المنادين بشرط استكمال وضع المحكمة الدستورية لحماية الانتقال السياسي
بهذه الطريقة ظل البرلمان يعمل مديرا ظهره للتحذيرات من أن سياسة “التوافق والمحاصصة” بين قوى سياسية محددة قد تشكل في نهاية المطاف أكبر خطر على الانتقال السياسي لأنها في الغالب لا تنتج قوانين أو مؤسسات دائمة بل توافقات مرحلية.
ومثل الكثير من العقبات السابقة التي ظهرت مع قصور النظام السياسي الهجين (برلماني معدل) الذي أقره الدستور الجديد، والتضارب في تأويل صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية ودور الدين والحريات الشخصية، فإن التأخر الكبير في استكمال المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية العليا لنحو خمس سنوات كاملة، يضع الطبقة السياسية الحالية موضع اتهام بتعمد تفخيخ الانتقال السياسي.
قائد السبسي كان من أول المنادين بشرط استكمال وضع المحكمة الدستورية لحماية الانتقال السياسي وحذّر أيضا من غيابها قبل موعد انتخابات 2019. لكن المفارقة أنه بمجرد الإعلان عن الأزمة الصحية للرئيس وإشاعة الموت، وقف التونسيون على قصور كامل في فهم عمل المؤسسات بجانب تعقيدات قانونية قد يطول معها التوصل إلى حلول دستورية لتأمين استمرارية الحكم.
يحدد الدستور الجديد أسباب الشغور الوقتي أو النهائي في منصب الرئيس وكيفية انتقال السلطة غير أنه قصر معاينة وإقرار حالة الشغور إلى المحكمة الدستورية، وهي مؤسسة على أهميتها القصوى فإن تأسيسها لم يستكمل بعد بسبب الفشل في انتخاب ثلث أعضائها في أكثر من دورة داخل البرلمان وعدم تحصيل كل مرشح لأغلبية الثلثين المطلوبة.
وبالعودة إلى أسباب ذلك الفشل فإن المحاصصة وحسابات القوى السياسية على المدى الطويل، هي من تفسر الرغبة في إبقاء اليد على مؤسسات الحكم وعلى مؤسسة رقابية كان يفترض أن تكون على الحياد.
قد يكون قائد السبسي نجح بخبرته السياسية الطويلة وإلى حد ما في تأمين بداية الانتقال السياسي ولكنه نجح بشكل أكبر اليوم أيضا، وبأمر يخرج عن إرادته، في أن يعري عمليات الالتفاف على هذا المسار. وقد يعكس وضع المحكمة الدستورية أزمة الانتقال السياسي المتعثر في تونس لكن الخطورة لا تكمن في حالة الترنح بل في المخاطرة بتوفير أسباب الفوضى ونسف كل شيء متى توفرت اللحظة المناسبة.
صحافي تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه