أخبار تبحث عن مستهلكين

بقلم طاهر علوان تموز/يوليو 09, 2019 776

أخبار تبحث عن مستهلكين
طاهر علوان
غابت المؤسسات وغاب الأخ الأكبر وضاع حارس البوابة وسط الضجيج وصارت الأخبار التي تتدفق على مدار الساعة تتراكم وهي تبحث عن جمهور المستهلكين.
أخبار متناثرة أنتجها النظام الرقمي
تتدفق الأخبار على مدار الساعة، يمكنك الدخول إلى أي موقع إخباري عالمي فستجد في كل بضع دقائق خبرا قادما من بقعة ما من بقاع الأرض. الخبر الذي يولد أمامك سرعان ما سوف تتلقفه وسائط اتصالية متعددة، ويتغلغل في وسط ركام من القضايا والمحتويات لا يربطها رابط.
مقارنة بسيطة للظاهرة ما قبل انتشار الشبكة العالمية – الإنترنت تعطيك صورة واضحة عن مصادر الأخبار وصانعيها ومستهلكيها. كانت هنالك مؤسسات بعينها هي التي تنتج الأخبار وكان هنالك ما يعرف “حارس البوابة” يقوم بدوره على أكمل وجه في ضمان تسلم الحشود البشرية حصتها اليومية المقررة من الأخبار واستهلاكها سريعا وتكوين ردود الفعل إزاءها.
غابت المؤسسات وغاب الأخ الأكبر وضاع حارس البوابة وسط الضجيج وصارت الأخبار التي تتدفق على مدار الساعة تتراكم وهي تبحث عن جمهور المستهلكين.
في دراسة موسعة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي تم فيها استطلاع جمهور واسع في علاقته بالأخبار أثبت أن نصف المستطلع آراؤهم يهتمون بالأخبار يفضلونها في شكل إجازات قصيرة ومكثقة، بينما ثلث المستطلع آراؤهم فيرون أن الأخبار تتحول عندهم إلى نوع من الروتين، تتدفق الأخبار من حولهم فيمرون عليها مرورا عابرا بلا كثير اهتمام ولا استجابة وليس بالضرورة أن يتفاعلوا معها أو يكون لديهم رد فعل إزاءها بل هي من باب العلم بالشيء لا أكثر.
    تتراكم الأخبار بكل أشكالها وأنواع منتجيها ومحرريها أما مستهلكوها فأمرهم أمر والسيطرة عليهم لم تعد كما في السابق
يبقى هنالك ما نسبته أقل من الربع ممن تم استطلاع آرائهم وهؤلاء هم المستهلكون الحقيقيون للأخبار الذي يتابعون الجديد مما يصدر من أخبار، ويعطون وقتا في البحث والاستقصاء. في العديد من المجتمعات الشمولية التي تهاوت خلال ربع القرن الأخير كان هنالك نوع من الاستهلاك الإجباري للأخبار.
كانت الناس تتحلق حول التلفزة شبه مجبرة صغارا وكبارا لمشاهدة ما يشبه المقررات التلفزيونية التي على الجميع فهمها وإدراكها. كان مسار الأخبار خطيا أي يبدأ من نقطة وينتهي عند أخرى، يبدأ من إرسال الخبر أو نشره وينتهي عند استهلاكه.
لكن مسار الأخبار بعد حوالي ربع قرن على هذا التوصيف جعلها متناثرة بمعنى أن الأخبار تنفرط من بين يدي صانعها إلى حالات تداولية لا حصر لها أنتجها النظام الرقمي وصار يشفرها أو يعيد بثها ويعيد إنتاجها شكلا ومحتوى.
واقعيا نحن أمام التحول الجذري من الصحيفة والإذاعة والتلفزة التي كانت بالأمس القريب هي المصادر الأقرب للمجتمعات الخاضعة للرأي الواحد والأيديولوجيا الواحدة إلى ما لا حصر له من الأخبار ومصادر الأخبار التي ضاعفتها أضعافا كثيرة المصادر والأدوات الرقمية.
    كانت هنالك مؤسسات بعينها هي التي تنتج الأخبار وكان هنالك ما يعرف "حارس البوابة" يقوم بدوره على أكمل وجه في ضمان تسلم الحشود البشرية حصتها اليومية المقررة من الأخبار واستهلاكها سريعا وتكوين
لكن الإذاعة والصحافة ما زالتا فاعلتين في مجتمعاتنا اليوم، ذلك أمر مؤكد لكن صحافة اليوم ليست كما كانت صحافة الأمس فها هي اليوم تزحف بقوة نحو الرقمنة، وتقدّم نسخة رقمية وتنشر أخبارها تباعا من خلال تحديث الموقع الإلكتروني.
يناقش تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي من جهة أخرى الطريقة التي من خلالها تم انتقال الصحافة الورقية إلى شكلها الرقمي مما يتيح خروجا عن السيطرة وشكلا من الأخبار ذا طابع هجيني، لا تعرف مصدره ولا جمهوره المستهدف وإن هو إلا تدفق شبه عشوائي في أهدافه وفي بيئاتهم.
هذه الإشكالية المركبة تعقد مسار الصحافة التي لا ترى في الأفق إلا مزيدا من الرقمنة فضلا عن جمهور يبحث عن الأسهل من خلال وسائط متداولة ومتاحة.
وهكذا تتراكم الأخبار بكل أشكالها وأنواع منتجيها ومحرريها أما مستهلكوها فأمرهم أمر والسيطرة عليهم لم تعد كما في السابق. لكن القضية الأهم هي زحف الصحافة وغرفة الأخبار لما بعد الاستحواذ الرقمي، إذ كيف يمكن لها أن تندمج في الجيل الرقمي وتدخله بشكل مبتكر يعطيها قيمة ودلالة ويعيد لها جمهورها الواسع الذي كان ينتظر الحصيلة الإخبارية بفارغ الصبر ويتفاعل مع ذلك السيل من الأخبار، وإذا به جمهور متناثر ومشغول ببدائل لا حصر لها تبعده عن الأخبار.
كاتب عراقي مقيم في لندن

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه