أدب التجاعيد

بقلم ساعد الثبيتي تموز/يوليو 22, 2019 743

أدب التجاعيد
ساعد الثبيتي
الأديب الأميركي فرانسيس سكوت صاحب رواية «الحالة المحيرة لبنجامين بتن» التي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي وفاز بثلاث جوائز أوسكار، قدم عملاً خيالياً تدور أحداثه حول طفل يولد بملامح عجوز في عمر الثمانين عاماً ويستمر نموه بشكل عكسي حتى يصل إلى سن المهاد، وهي من الأعمال الإبداعية المستلهمة من «أدب التجاعيد» كما يحلو لي تسميته في هذه المقالة.
كثير من الأدباء والروائيين من مختلف العصور يستلهمون أدبهم من مراحل العمر، فلكل مرحلة حضورها المختلف من الصبا إلى الشباب والرشد والشيخوخة، ولكن ربما تكون مرحلة الشيخوخة أكثر المراحل إلهاماً لما يتحقق فيها من اكتفاء وتأمل.
وقد خُلدت العديد من الأعمال الأدبية والقصائد والأبيات الشعرية عن هذه المرحلة الملهمة في حياة الإنسان، فما تذكر الشيخوخة في الشعر والأدب إلا ويذكر الشيب والتجاعيد التي ترسمها السنون على ملامح الناس.
خلال الأسبوع الماضي انتقل الناس فجأة ومن دون مقدمات إلى مرحلة الشيخوخة، بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الوجوه المثقلة بتجاعيد السنين التي لم يغيرها الزمن، وإنما تغيرت من خلال تطبيق (FaceApp) الذي منحهم فرصة لاستحضار مرحلة الشيخوخة واختصار مراحل العمر في صورة تخيلية.
أمام طرافة المشهد وتفاعل الكثير معه بدافع الفضول، وعلى رغم تحذيرات المختصين من تبعات التعامل مع مثل هذه التطبيقات؛ إلا أن تلك الصور المُتخيلة لمرحلة الشيخوخة وما تحمله من تجاعيد كانت محفزة وملهمة لكثير من المغردين الذين نثروا إبداعاتهم، بعد أن انتقلوا بخيالهم إلى تلك المرحلة وهي مرحلة التأمل واستعادة شريط الحياة، وكأن لسان حال كل من ينظر إلى تجاعيد وجهه يردد بيت الشاعر الأندلسي ابن زهر الحفيد:
إني نظرت إلى المرآة إذ جُلِيتْ * فأنكرت مقلتاي كلَّ ما رأتــا
رأيت فيها شُييخًا لست أعرفه * وكنت أعهدُه من قبل ذاك فتى
لو كل ما كتب عن مرحلة الشيخوخة والشيب والتجاعيد جمع تحت عنوان: «أدب التجاعيد» لوجدنا مادة أدبية ممتعة، خاصة أن أدباء كبارا تركوا بصمات وأبياتا خالدة في هذا الجانب، فالشيب والشيخوخة كانتا حاضرتين في الأجناس الأدبية كافة، والشعراء لا يمكن أن تمر عليهم مرحلة الشيخوخة مرور الكرام من دون تجسيدها، فهناك من يتحسر على الشباب المنصرم، وآخر يشكو الحال بعد أن حل به الوهن والضعف وشعر بالعزلة وتيقن أن الخلود مستحيلاً.
من عهدة الراوي:
شعراء العصر القديم يعدون بلوغ الثمانين عاماً منعطفاً هاماً في الحياة، وقد ظهر ذلك في بيت أحدهم عندما قال:
إن الثمانين وبُلغتها * قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
أما شعراء العصر فمرحلة السبعين هي المنعطف المؤثر في حياتهم، فالشاعر الراحل غازي القصيبي احتفى بالسبعين من عمره بقصيدته:
ماذا تريدُ من السبعينَ يا رجلُ؟! * لا أنتَ أنتَ ولا أيامك الأُولُ
ولم تمر السبعون الملهمة على أمير الشعر خالد الفيصل الذي طالما حضرت مراحل العمر في شعره، فكتب قصيدته «السبعينية:
غابت السبعين عن ملهاتها * تطوي الرايات عن ساحاتها
وأعقبها بقصيدته «ثمانين عمري» التي قال فيها:
يا مرحبا بك يا ثمانين عمري * لو ما هقيت إنّي أشوفك وأنـا حَيْ
 كاتب ومستشار.

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه