أكراد سوريا.. كش مات
علي قاسم
كش مات، هذا هو الوضع الذي وجد فيه الأكراد أنفسهم به، بعد أن قدّموا خدماتهم لبلدهم سوريا وللعالم، وحاربوا بشجاعة تنظيم الدولة الإسلامية، وكان لهم فضل كبير في دحر هذا التنظيم الإرهابي.
على الأكراد الالتفاف سريعا إلى الداخل السوري حيث يوجد الحل
ما هي الخيارات المتاحة للأكراد في سوريا، بعد أن تخلّت الولايات المتحدة عنهم. الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال لهم شكرا لجهودكم، أنتم شعب طيب ومقاتلون أشاوس، دوركم الآن انتهى، لن ننسى خدماتكم.
برأ ترامب ضميره، وترك الأكراد يواجهون مصيرهم في مواجهة هجوم حاقد يعد له “صديقه” رجب طيب أردوغان.
وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قال إن كل من يبيع الوطن بأرخص الأسعار سيُرمى خارج التاريخ. واضح أن مقداد يقصد الأكراد في قوله هذا، ويخشى أن يكون المقصود بالرمي خارج التاريخ هو الانتقام والإبادة. في وضع مثل هذا ماذا يمكن أن يفعل الأكراد؟
كش مات، هذا هو الوضع الذي وجد فيه الأكراد أنفسهم به، بعد أن قدّموا خدماتهم لبلدهم سوريا وللعالم، وحاربوا بشجاعة تنظيم الدولة الإسلامية، وكان لهم فضل كبير في دحر هذا التنظيم الإرهابي وإسقاط دولة الخلافة.
من حق الأكراد أن يتمتعوا بكامل حقوقهم المدنية، وأن ينعموا بخيرات بلدهم، من حقهم أن يكتبوا ويعلموا صغارهم بلغتهم الأم، ومن حقهم أن يكون لهم أحزاب تمثلهم في الحكم
ليس هناك من نصيحة يمكن أن تقدم اليوم لهؤلاء “الناس الطيبين” الذين تآمر عليهم الجميع. عندما تجد نفسك في وضع مثل هذا إما أن تستسلم، وإما أن تنتحر.
لم يكن الأكراد خونة عندما تصدوا لداعش، نعم هم استعانوا بالشيطان للانتصار عليه، ولكن هذه ليست خطيئة تستوجب العقاب.
أن تُخدع مرة أمر عادي، أما أن تُخدع مرتين فتلك هي المأساة. ترامب اتخذ قراره وقدّم الأكراد هدية لأردوغان. أي تحرك للأكراد يستبعد هذه الحقيقة هو تحرك أحمق سيحاسبون عليه في المستقبل.
الحل للمسألة لن يكون إلا سوريا مئة بالمئة. المصالحة في الوقت المناسب هي أكبر انتصار، والوقت الآن أكثر من مناسب لمثل تلك المصالحة. الشريك الوحيد الذي يجب أن يجلس معه الأكراد إلى طاولة واحدة هم السوريون أنفسهم.
إن أراد الأكراد مخرجا يضمن لهم حقوقهم، عليهم أن يضعوا خلفهم حقائق تاريخية مؤلمة، ويتفرغوا لما هو ممكن.
في أبريل 2011، تمت تسوية أوضاع عشرات الآلاف من الأكراد السوريين خلال أيام، عملا بالمرسوم الرئاسي رقم 49، الصادر في نفس العام. وكانت تلك بادرة حسن نوايا لم يتلقاها الأكراد بالترحاب الذي تستحقه.
يقدّر عدد الأكراد السوريين اليوم بين 1.5 مليون كحد أدنى و2.5 مليون كحد أعلى، أي هو في حدوده القصوى عشر عدد السكان في كامل تراب الجمهورية، يسيطرون حاليا على 30 بالمئة من مساحة سوريا، وهو الجزء الأغنى بالثروات الطبيعية والفلاحية في البلاد.
يقال إن السياسة هي فن الممكن، فهل يعتبر حلم الانفصال في وضع مثل هذا، جزءا من الممكن؟
لم يكن الأكراد خونة عندما تصدوا لداعش، نعم هم استعانوا بالشيطان للانتصار عليه، ولكن هذه ليست خطيئة تستوجب العقاب
يجب أن يسعى الأكراد ليكونوا جزءا من حل الأزمة السورية، لا خارج هذا الحل، هناك دستور جديد للدولة سيكتب عاجلا أو آجلا، يجب أن يكون للأكراد دور في صياغة هذا الدستور، يضمن لهم كامل حقوقهم بصفتهم مواطنين سوريين أكراد.
المواطنون الأكراد موزعون على كامل تراب الجمهورية، إلى جانب تواجدهم بكثافة في منطقة الحسكة والقامشلي، إلى جانبهم يعيش أرمن وسريان وآشوريين وتركمان وشركس وعرب، في بلد أجمل ما فيه هو التنوع.
سوريا بلد الأقليات، لن ينفع أي أقلية منها، عرقية كانت أم طائفية، أن تتقسم البلاد، على الجميع أن يتعلم كيف يعيش بتناغم وانسجام مع الآخر.
من حق الأكراد أن يتمتعوا بكامل حقوقهم المدنية، وأن ينعموا بخيرات بلدهم، من حقهم أن يكتبوا ويعلموا صغارهم بلغتهم الأم، ومن حقهم أن يكون لهم أحزاب تمثلهم في الحكم، من حقهم تبوأ كل المناصب بما فيها رئاسة الدولة.
للأكراد ولكامل فئات الشعب السوري عدو مشترك واحد، هذا العدو قابع على الحدود السورية، وليس داخلها. يجب أن لا يتردد الأكراد في الالتفاف سريعا إلى الداخل السوري، حيث يوجد الحل.
كاتب سوري مقيم في تونس