أعيدوا غزة إلى مصر

بقلم أحمد عدنان آب/أغسطس 19, 2016 808

أعيدوا غزة إلى مصر
أحمد عدنان
لا يمكن كتابة تاريخ غزة بمعزل عن التاريخ المصري، وهذا أمر قديم، فأول ذكر للمدينة كان في مخطوطة للفرعون تحتمس، بل إن غزة كانت عاصمة لمصر في الماضي السحيق، وغالبا من حكم مصر حكم غزة أيضا، وهناك استثناءات، فالعثمانيون ألحقوها بمتصرفية القدس، والانتداب البريطاني ألصقها بفلسطين ككل.
أهم من كان يدرك ذلك، هو الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وله مقولته الشهيرة التي ربطت بين الأمن القومي/ الوطني المصري وبين غزة، ومن نافلة القول التذكير بعودة غزة إلى “الإدارة” المصرية أو الحكم المصري عام 1948، واتفاق الهدنة كان واضحا في احتفاظ مصر بغزة، واستمر ذلك حتى “نكسة” 1967، والمعنى أن غزة تصنف ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967 لا سنة 1948، وهذا له دلالته.
في عام 2004 أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، آرييل شارون، انسحابه من قطاع غزة، وفي رأيي أن قراره لم يكن مجانيا أو عشوائيا أو عبثيا، فمن وجهة نظري أراد شارون أن يحول الصراع بين إسرائيل وأهل غزة إلى صراع بين غزة ومصر، وللأسف يبدو أن طموحات شارون قد تحققت، ويعود الفضل في ذلك إلى حركة حماس للأسف أيضا.
اليوم، أوضاع غزة، مدينة وقطاعا، ربما تكون الأسوأ في العالم، 50 بالمئة من السكان لا يستطيعون الحصول على المياه بانتظام، تنقطع الكهرباء عن المستشفيات نحو 12 ساعة يوميا، بينما تنقطع عن المدارس نحو 8 ساعات يوميا، وفوق ذلك اكتظاظ طلابي رهيب مقابل شح المدارس، فضلا عن أن غزة ربما تكون الأرض الأعلى كثافة سكانية في العالم بالنسبة إلى المساحة، وهذا غيض من فيض. بسبب حماس وإسرائيل مجتمعتيْن، خرجت غزة من قطار السلام المتعطل، واستظلت براية الإرهاب المتفجر.
من المؤسف، حقا، أن تكون حركة حماس شريكا رئيسا في توترات سيناء، وهذا أمر لا ينكره أحد، تقيم إسرائيل حصارا خارجيا على غزة، وتشاركها حركة حماس برفض وضع معبر رفح تحت إدارة السلطة الفلسطينية الشرعية، ومن الطبيعي أن تتحفظ مصر على نشاط المعبر، لأنها وقعت اتفاقية تنظيمه مع السلطة الشرعيـة لا مع الميليشيـا، وهذا هـو منطق الدولـة الغائب عن حماس.
للرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، تصريح لم يفهم في وقته “إسرائيل تستثمر جهل الناس بقضية غزة لصرف النظر عن القضية الفلسطينية”، شنعت حماس على مبارك مع أنه تغاضى، تماما، عن الأنفاق التي تربط بين سيناء وغزة لتأمين احتياجات الغزاويين، والخلاصة بعد مرور هذه السنوات، أن الناس نسوا فلسطين وانشغلوا بغزة، وربما لو حق لي تصحيح تصريح مبارك لقلت: غزة – بسبب حماس – أصبحت عبئا على القضية الفلسطينية.
ربما تكون أوضاع غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي أفضل من أوضاعها بعده، وكما أن تاريخ غزة وحاضرها مرتبطان بمصر، فمستقبلها كذلك ليس منفصلا عنها، فمصر – بفضل الجغرافيا – هي ربطة العنق بالنسبة لغزة.
قبل ثورة 25 يناير، قام مركز السادات – بيغن للسلام التابع لجامعة بار إيلان الإسرائيلية باقتراح حل نهائي للصراع العربي – الإسرائيلي مفاده اقتطاع جزء من سيناء لغزة واقتطاع جزء من الأردن للضفة، وهذا الاقتراح سيضاعف الكارثة ولن يحلها، لذلك فإن ما أراه هو العكس تماما.
علينا أولا أن نحدد ما هي المشكلة، وهي باختصار الاحتلال الإسرائيلي، ومشروع الدولة الفلسطينية هو أحد أوجه الحل لكنه ليس الحل الوحيد، فلو استطعنا معالجة الاحتلال بمعزل عن إقامة الدولة الفلسطينية، فليذهب الاحتلال غير مأسوف عليه.
لا يمكن حل أزمة غزة من دون سيناء، لذلك فإن الحل هو عودة الفرع إلى أصله، أي عودة غزة إلى سيناء وبالتالي عودتها إلى مصر، وفق منطق التاريخ والجغرافيا معا.
جغرافيا، لا يمكن ربط غزة بمعاهدة أوسلو، ومحاولات لي عنق الجغرافيا، أفضت إلى أزمة غزة اليوم، وما يؤلم حقا أن إسرائيل موجودة في غزة، وتركيا موجودة في غزة، وإيران موجودة في غزة، الكل في غزة إلا العرب.
غزة تشبه مصر وسيناء أكثر مما تشبه الضفة، ورغم كل التوترات التي نعيشها اليوم على الصعيدين الغزاوي والسيناوي، بكل مسبباتها الداخلية والخارجية، إلا أنه لا مفر من عودة التاريخ إلى مجراه واتصال الجغرافيا بالسياسة.
سيناء بحاجة إلى مشروع تنموي عظيم وكذلك غزة، والحقيقة أنه لن يبني غزة وسيناء إلا أهل غزة وسيناء، وأوضاع مصر اليوم ليست معيارا، إنما مستقبلها هو المعيار، وأعتقد أن مبادرة بحل أزمة غزة تستحق ثمنا دوليا قيمته المشروع التنموي العظيم، فتنصبّ موارد الدولة المصرية وكوادرها على غرب قناة السويس.
لو خيرت الغزاوي بين حصار إسرائيلي أو بين مواطنة مصرية، يفترض أن يختار مصر، ولو خيرت المواطن المصري بين سيناء آمنة ومزدهرة وبين سيناء المشتعلة، يفترض أن يختار الأمان والاستقرار والازدهار.
لذلك لا بد من انسحاب غزة من معاهدة أوسلو وإلحاقها بكامب ديفيد، لتعزز مصر موقعها الإستراتيجي بين القارتين، وتكسب مساحة جديدة على البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما يعني أرباحا اقتصادية وسياسية ثمينة، في حين ستربح غزة مكاسب إنسانية لا تقدر بثمن، وأهمها الخلاص من الكابوسيْن الإسرائيلي والحمساوي
المتضرر الوحيد من هذا المشروع هو حركة حماس. فحل مشكلة غزة يعني، باختصار، نهاية حماس، وعودة غزة إلى مصريتها يعني نهاية حماس أيضا، لكن المطلوب ألا لا ننظر إلى مصلحة أفراد وميليشيات، إنما إلى مصلحة الإنسان والأوطان.
شهدنا مؤخرا قرارا سياسيا يصحح اعتداء التاريخ على الجغرافيا، وهو قرار استعادة المملكة لجزيرتي تيران وصنافير، ولا بد من إكمال السياق بعودة غزة إلى مصر، وهذا مشروع صعب بحاجة إلى نفس طويل يجب أن تتحمله الدولة المصرية، والدول العربية كافة، والشعب الفلسطيني النبيل. فلنجرب لعلنا نغير بيدنا ما اعتدنا أن يجبرنا عليه الآخرون.
كاتب سعودي
   
           

سراب/12

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه